جاري تحميل الموقع . يرجى الانتظار
رثاء 09 سبتمبر 2019

الأخ مروان البرغوثي _ أبو القسّام – أمين سر اللجنة الحركية العليا لحركة فتح:

فيصل قدوة في الالتـزام الوطنـي

بينما كان النائب مروان البرغوثي مستغرقا في نومه، صباح ذلك اليوم المرير بعد سهر طويل كان يتابع فيه مجريات الأمور، في هذه الظروف العصيبة التي يمر بها شعبنا الفلسطيني، إذ بابنه القسام يوقظه ليبلغه بالنبأ المفجع.. لم يستوعب الأمر في البداية.. نهض مفزوعا يصرخ في وجه ابنه، ظنا منه أنه يمزح معه، أو أن الأمر قد اختلط عليه، لكنه أكد له صحة ما يقول، وعلى الفور قام باجراء الاتصالات، على أمل أن يحصل على رد ينفي ما سمع.. ولكن القدر أقوى منه ومن كل التوقعـات.

رحل الشهيد القائد فيصل الحسيني في وقت نحن فيه بأمس الحاجة إليه.. في وقت أصبح موعد تحرير القدس فيه قريبا.. في وقت أخذ الضوء فيه يقترب من نهاية النفق المظلم.. هكذا بدأ مروان البرغوثي عضو المجلس التشريعي أمين سر اللجنة الحركية العليا لحركة فتح حديث الذكريات مع أمير القدس فيصل الحسيني.. ولم يخل حديثه من التنهدات.. واغرورقت عيناه بالدموع التي حاول حبسها لكنه لم يقدر.

أطهر من عرفـت

يقول البرغوثي: "إنه فيصل الحسيني، وهل هناك في هذا الشعب من لا يعرف فيصل الحسيني؟ إنه ابن تلك الأسرة المناضلة التي يمتد تاريخها إلى الوراء لعقود طويلة.. أسرة تحظى بتقدير سمعناه من آبائنا وأجدادنا قبل أن نراه شخصيا.. إنه ابن الشهيد البار عبد القادر الحسيني المرسومة صورته في ذهن كل فلسطيني، والذي يشكل رمزا نضاليا مميزا من رموز هذا الشعب الخالد.. كما شكل رمزا لمرحلة تاريخية اعتبرت من أخطر المراحل التي مر بها شعبنا.. وحمل ابنه فيصل الراية من بعده بواقعية جديدة وفي واقع لا يقل خطورة عما مضى.. أذكر أول لقاء جمعني به في منزله بشعفاط، حين كان يخضع للاقامة الجبرية عام 1983، التقيته بعد أن مكثت ثماني سنوات في سجون الاحتلال، التي اكتوى بنارها الشهيد أبو العبد، وتوالت اللقاءات والزيارات.. أذكر سيارته الفولكسفاجن الصغيرة وأيضا "الأوتوبيانكي" الصغيرة.. من يراه ويجلس معه ويتبادل معه أطراف الحديث لا يخطر بباله أنه من أسرة من أكبر الأسر المقدسية، وأنه واحد من أنبل ما أنجب الشعب الفلسطيني في تاريخه.. ومن أطهر من عرفت في حياتي، ومن أوسع القلوب والصدور التي عايشتها وتعاملت معها، ومن أكثر الناس تواضعا وحبا لهذا الوطن، واستعدادا للتضحية من أجله.. لقد ربطتني به علاقة ودية جميلة فيها صداقة وأخوة ومحبة.. عملنا سويا في بدايات التشكيلات التنظيمية في أوائل الثمانينات.. وأذكر عام 1985 أنه دعاني لاجتماع تمخض عنه تشكيل لجنة مواجهة القبضة الحديدية، وحينها كنت رئيس مجلس الطلبة في جامعة بيرزيت ورئيس الشبيبة الفتحاوية.. وأيضا جمعتني به علاقة اجتماعية وسياسية.. نضالية وعلى عدة مستويات.. وفي الحقيقة لم يحتل أحد خلال السنين الماضية مكانة مرموقة كتلك التي احتلها الشهيد فيصل الحسيني، ليس على صفحات الجرائد وإنما في قلوب الناس.. وذلك هو الأهــم.

القائد السياسي الجريء

أبو العبد كان ملجأ لكل الناس الصغير قبل الكبير.. صاحب تجربة فريدة من نوعها.. يمتلك جرأة وشجاعة سياسية هائلة لا حدود لها. وكان على استعداد للتعبير عن رأيه تجاه قضايا لا تلقى إجماعا لدى الناس، وهذه ميزة القائد السياسي الشجاع الجريء، ثم أنه كان يتمتع بصدق، ويخاطب الجميع دون كذب أو رياء.. يخاطب شعبه والأصدقاء والأعداء بنفس اللغة ونفس المطالب دون تسويف.. عمل بجدية متناهية من أجل تعزيز الوحدة الوطنية وكان من الذين كرهوا وابتعدوا عن الإشكالات الداخلية.. ضرب مثلا يجب أن يحتذى به في الالتزام الوطني وفي السمو عن الخلافات الجانبية.. لم يعرف في حياته مبدأ التآمر الرخيص.. استطاع أن يخترق كل الأسوار في ظل كل الصعاب.. فتح جميع الأبواب الموصدة أمام الشعب والقيادة الفلسطينية.. هو الذي قاد عملية إنقاذ الوضع الفلسطيني بعد كارثة الخليج وما لحق بالقضية الفلسطينية، وأضحى رمزا لهذه العملية دون أن يغرق في الذاتية، لم تأخذه الأضواء أو تغير من سلوكه وتفكيره، لم يفقده البساط الأحمر أو الاستقبالات في العالم العربي أو أمريكا وأوروبا البوصلة على الإطلاق.

لقد شجع كل ما هو مخلص وجاد في هذا الوطن، وسيبقى فيصل الحسيني رمزا محفورا في قلوب جميع الفلسطينيين.. هذا هو القدر.. ومع شديد الأسف إنه قدر قاس ومؤلم، ولكن لا اعتراض على قدر الله سبحانه وتعالـى.

زائر الفجــر

لقاءات عديدة ومطولة كانت تجمعني به تسودها أجواء المصارحة.. ليلة سفره الأخيرة إلى الكويت، التقيته وتحدثنا مطولا.. إبان عملية التحضير لمفاوضات كامب ديفيد الثانية، جلسنا مطولا وتناقشنا عن تشكيلة الوفد وهل يشارك بها أم لا يشارك؟ أذكر في بداية هذا العام جاءني إلى منزلي في الصباح الباكر، اعتقد أن الساعة كانت حوالي السادسة صباحا، لم يكن الفجر قد بزغ جيدا.. فإذا به يطرق الباب، ولم يكن قد مضى على نومي أكثر من ساعتين، فتحت فإذا به فيصل الحسيني.. فقلت له: هل كنت تحلم بي؟ ما الذي أتى بك في هذه الساعة المبكرة؟ فأجابني: افتح أولا، أو هكذا هي عادتك تستقبل الضيوف على الباب.. ولا تريد استقبالي.. أريد أن أتناول معك طعام الإفطار؟؟

رحمه الله كانت روحه خفيفة ويتمتع بأخلاق دمثة وصاحب نكتة لا حدود لها، جلسنا مطولا وتناقشنا بصراحة، وكان يرغب حينها في لقاء على انفراد وليس في مكان عام، وأذكر حينها أنه قال: أدرك تماما ظروفك الصعبة، وبودي لو أستطيع مساعدتك رغم أنني غارق في الديون. حيث ذكر حينها أنه مطالب بتسديد نحو مليونين وسبعمائة ألف دولار.. في الحقيقة شجعني وشد من أزري، لذلك أقول أنه من نوع القائد الإنسان.. هو إنسان قبل كل شيء.. وبكل المعايير يتصرف بنبل وصدق وعقل متزن، وفي الوقت نفسه متمسك بمبادئه، لديه رؤيا وحيوية تفوق كل الحدود، قادر على التعامل مع الناس وكل الأطراف والأجناس، لم أعهده متعصبا في موضوع.. كنت أتعامل معه بشكل شبه يومي، منذ البدايات وحتى رحيله.. حتى خلال فترة الإبعاد خارج الوطن بقيت على اتصال دائم معه.. وما صدف وأن سافر إلى الخارج إلا والتقاني.. كان يحرص على زيارتي في البيت، سواء في عمان أو تونس، كانت لديه لفتات كريمة أخوية، إنسانية ودية، ولدى عودتي كان في مقدمة من استقبلوني ثم زارني في البيــت.

سأعاقبهم فيك وأعاقبك فيهـم

وأذكر في هذا الصدد أنه دعا إلى اجتماع للجنة الحركية العليا بصفته رئيسا لها في الضفة الغربية، واقترح أن أستلم أمانة السر وأكون نائبا له، وقال لي حينها: "أنا اعتمد مبدأ الثواب والعقاب، ولذلك أريد أن أعاقبهم فيك وأعاقبك فيهم.. هذه عقوبة متبادلة.

أكثر من عشرين عاما جمعتني به محطات نضالية كفاحية.. أبو العبد لم يكن قائدا لنا وحسب، وإنما كان أخا كريما وابن أخ كريم، وهو موجه ومعلم، وأقدر فيه كل تاريخه وحكمته ونبله وصدقه في التصرف. في الحقيقة رحلة طويلة جدا أمضيناها معا.. ومهما تحدثت فالكلام يعجز عن وصف ما كان يتمتع به هذا الإنسان القائد، رأيت بأم عيني كيف تصدى لعدوان شارون على المسجد الأقصى، وكيف أدار الأمور بحكمة، وفي مئات المواقف كان أبو العبد يتقدم بكل ثقة ويتخذ القرار المناسب في لحظات حرجة فيها صخب وخوف من اتخاذ القرار.. لكنه كان يدلي بدلوه ويقول رأيه ويتخذ قراره بكل ما يحمله من مخاطر، غير آبه بالمضاعفات أو ردود الفعل.. كان يضع المصلحة الوطنية وخدمتها نصب عينيه ولا يأبه بعد ذلك.. لم تكن لديه حسابات صغيرة بل دائما حساباته كبرى ووطنية.. كثيرا ما تجادلنا وتناقشنا في شؤون القدس.. كان ذهنه غارقا في عشق هذه المدينة المقدسة، كان في حالة ذوبان بها، وخلال جنازته أيقنت أن القدس قد عشقته أيضا.. أبو العبد، وجد في كل مكان احتراما واعتبارا لدى الكبير والصغير.. كان قاسما مشتركا للجميع دون استثناء.. وأنا شخصيا أشعر أنني فقدت أخا وصديقا وقائدا ومعلما ورفيق درب، ورجلا نبيلا من أنبل من في هذا الوطـن.

لكل شيخ طريقته

وتطرق البرغوثي في حديثه إلى بعض الخلافات التي كانت تحدث مع أبو البعد وقال: "كنا نختلف معا خلال النقاش والتشاور في بعض القضايا، لكن لم يكن هناك أي خلاف في قضايا مبدئية أو استراتيجية، ولكن التفصيلات أحيانا تأخذنا نحو الخلاف، كانت هناك وجهات نظر مختلفة حول مسائل يومية وكيفية إدارتها، فلكل شيخ طريقته، وكان الخلاف يحسم في لحظته عبر حوار أخوي خال من أية ضغائن، وأحيانا يتمسك كل طرف برأيه ويجعل العمل بما يصب في المصلحة الوطنية.. ومن خلافاته مع شخصيات وطنية أذكر فيما يتعلق بالدكتور سري نسيبة، الذي أكن له كل احترام وتقدير لمواقفه الشجاعة والصادقة، أختلف معه أبو العبد في قضية تشكيل مجلس أمناء جامعة القدس، وهنا حدثت شبه قطيعة بين الرجلين، فلجأ إلي أبو العبد من أجل العمل على إنهاء القطيعة والخلاف، لأنه ذهب إلى بيته يسأل عن الدكتور سري، فإذا بابنه جمال يقول له إن أبي ليس في المنزل، في الوقت الذي كان أبو العبد يعلم أن الدكتور موجود في البيت فلجأ إلي، وأنا شخصيا شاركت أكثر من مرة في اصلاح ذات البيت بين الاثنين، وبالمناسبة فقد كان الدكتور سري نسيبة أكثر الناس الذين يحظون باحترام وتقدير ومحبة أبو العبد، ولكن لكل منهما طريقة تفكيره، وتوجهت مع أبو العبد إلى مكتب سري نسيبة، واشترى حينها "بوظة" لانه كان يعلم أن الدكتور سري يحب أكل البوظة، وهناك أوضح أبو العبد موقفه وحسم الخلاف.. لم يكن أبو العبد ذلك الإنسان الذي يعرف معنى المؤامرة أو الالتفاف، كان رجلا صادقا شجاعا نبيلا مقداما بكل ما في هذه الكلمات من معان.

كان يخدم الجميع

وهناك عشرات المواقف التي توضع هذه المعاني وبعضها ما يجرح البعض، وهناك عشرات المسؤولين الذين تتلمذوا على يد أبي العبد وكنت أقول له دائما... سامحك الله؟ لأن من هؤلاء من لا يستحق ما فعله فيصل له، ولكن فيصل الحسيني لم يكن يغلق بابه بوجه أحد، وكان يخدم الجميع، رغم أن البعض قد أدار ظهره له وطعنه من الخلف، ولكن أبو العبد ظل كما هو ولم يلتفت إلى الوراء وظل كما عرفته وعرفه الجميع.. لم يشارك في النميمة على أحد.. ولم يعرف معناها أبدا، ولا علاقة له بها.. كان أسمى وأرفع من كل المظاهر السلبية، حتى على النطاق التنظيمي كان يفترض أن يكون منحازا لفتح كونه عضو لجنة مركزية ورئيس اللجنة الحركية العليا، لم يشعر أحد أن انتماءه فتحاويا، إنما سخر نفسه لكل فصائل الحركة الوطنية الفلسطينية، كانت تربطه بالجميع علاقات وثيقة، يترفع عن الاساءات الموجهة له، وهذه سمة القائد التاريخي وهو ممن صنعوا تاريخ هذا الشعب، وممن قدم الوجه الفلسطيني بشكل مشرف، أمام الناس في كل بقاع الأرض، دائما يقدر المواقف.. وأحس بألم في حالات كثيرة، حتى من بعض القيادات الفلسطينية وكان يشعر بتقصير البعض تجاه مدينة القدس من السلطة أو منظمة التحرير، ولكنه دائما كان يعمل على تجاوز ذلك، ويحل القضايا بطريقته السحرية التي ترضـي الجميـع.

يوم ميلاد جديـد

وتحدث البرغوثي عن لحظات سماع نبأ رحيله بقوله: "كان نبأ مفجعا، لم أصدقه لأيام، وشعرت بألم كبير لأنني لم استطع بسبب الظروف أن أشارك في جنازته حتى مدينة القدس، ولو أن ابني القسام عوض عني قليلا، لكنني شعرت بمرارة كبيرة تجاه الاحتلال الذي منعني من المشاركة، واعتقد أن الألوف المؤلفة التي خرجت لتشييع فيصل الحسيني كانت ستتضاعف لولا الاحتلال، ولكانت أكبر جنازة تاريخية عرفها الوطن العربي من محيطه إلى خليجه.. رغم ذلك كانت تكريما له وأثبتت أن المخلصين والنبلاء دائما تكرمهم الشعوب أفضل تكريم.. ويوم استشهاد أبو العبد كان يوم ميلاد جديد له وللقدس، وأثبت شعبنا أنه مخلص لمن أخلص له، وسيبقى مكان أبو العبد شاغرا في تاريخ الشعب الفلسطيني، لأنه حالة فريدة من نوعها.. وقدرنا أن نواصل المعركة، لأن الوفاء الحقيقي والتكريم الحقيقي لهذا الإنسان هو التمسك بمبادئه ومثله التي آمن بها، وعمل من أجلها، وقضى أيضا من أجلها، كسائر شهدائنا الأبرار، وتكريم أبو العبد هو الاستمرار في المعركة حتى بلوغ نهاية النفق، الذي كان أبو العبد من الذين أضاؤوا بدايته.. وبالرغم من أنه من الصعب تعويض هذا القائد الإنسان، إلا أنه يمكن لفريق مخلص أن يفعل شيئا، حيث لا بديل على مستواه في القدس وخارجها، ولكن في المحصلة البديل يكمن في فريق كامل متكامل، وما جرى في معركة الأقصى الأخيرة رغم غياب أبو العبد هو تجسيد لذكراه، حيث رفرفت روحه الطاهرة في ساحات الأقصى، وأمت الناس في المسجد، فكرمت "أبو العبد" كما كرمت أولى القبلتين.

شبيه أبو جهـاد

وتطرق البرغوثي في حديثه إلى بعض اللحظات والمواقف المؤلمة في نفس أبو العبد بقوله: "فيصل الحسيني لم يكن من النوع "الشكوجي" إلا أن هناك مواقف ألمته قليلا، رغم أنه لم يكن يلتفت لها. واذكر قبل السفر إلى كامب ديفيد الثانية تحادثنا حول تشكيلة الوفد، حيث أثر عدم المشاركة، وحسنا فعل وتجاوز الموضوع.. كذلك شعر بالألم من بعض الذين عملوا على محاصرته، وكان ذلك واضحا خلال السنوات الماضية، لكن هذا لم يضعف أبدا عزيمته ولم يثنه عن مواصلة مشواره، أو إقصائه عن مركز صنع القرار، وهنا أود أن أقول أن كل الأنبياء والصحابة والنبلاء حوصرا عبر التاريخ، ورغم الآلام التي عصفت بأبي العبد، إلا أنه كان من أفضل الناس في التخفيف من الآم الآخرين، كان صاحب نكتة فريدة من نوعها، روحه خفيفة، سمعت منه الكثير من النكات التي كانت في مضمونها عبر وحكم، وفي الغاب سياسية، كنت أرى فيه شخصية قريبة جدا من شخصية أمير الشهداء خليل الوزير "أبو جهاد" رحمه الله، حيث التشابه في النبل والصدق والشهامة والمثابرة والتفاني في العمل من أجل الوطن، إضافة إلى محبتهما لبعضهما البعض، وها هما يلتقيان الآن أمام رب العالمين.

فتح الأبواب الموصدة

وفيما يتعلق بسفره الأخير إلى الكويت قال البرغوثي: "شجعته كثيرا على ذلك، فأبو العبد فتح جميع الأبواب الموصدة أمام القيادة والشعب الفلسطيني في كل مكان خاصة في دول الخليج.. الولايات المتحدة أجبرها على الحوار مع منظمة التحرير بصفتها ممثلا شرعيا وحيدا للشعب الفلسطيني، لم يكن يتجاوب أبدا مع ما يقدم له من إغراءات، روح للانتفاضة بصفته قائدا لها في كل مكان.. ايران ودمشق مهد الطريق الفلسطينية نحوهما، كان الوحيد الذي يذهب إلى أي مكان ويفتح الأبواب الموصدة، التي لم تكن أبدا تغلق في وجهه، ولم يتردد في الذهاب إلى الكويت، رغم إدراكه للمصاعب التي ستواجهه هناك، وهذا جزء من النضال والكفاح الذي لا يقل أهمية عن النضال في الميدان.. عمل على تجنيد الدعم للانتفاضة وتسويقها عالميا، كان يقوم بدور الإعلامي والمالي والسياسي للشعب الفلسطيني.. قام أبو العبد بدور لم يستطع أي قائد فلسطيني أن يقوم به، ولم يحظ أي قائد فلسطيني باجماع كما حظي به فيصل الحسيني، ولم تفتح الأبواب لشخصية مثل فيصل الحسيني، رغم الذل الذي كان يلاقيه ويشعر به خلال زيارته لبعض الأماكن، إلا أنه تحمل من أجل تأدية رسالته الوطنية النبيلة، وصاحب الرسالة يتقبل دوما كل المصاعب، بما فيها الذل، من أجل استكمال أهداف رسالته النبيلة.. رسالة القدس وفلسطين، كان يحرص على علاقة طيبة مع الجميع، خاصة مع الأشقاء في الخليج، لأنه يدرك دورهم الطليعي في القضية الفلسطينية.. باختصار كان فيصل الحسيني رحمه الله صوتا صادقا يحظى باحترام الجميـع. 

عن مجلة "عبير"