جاري تحميل الموقع . يرجى الانتظار
عنوان البرنامج : صورة عن قرب
التاريخ : 1998-12-24 19:20:45
الاذاعة : تلفزيون الامارات العربية المتحدة من دبي
المحاور/ة :
ضيوف محاورين :

قراءة نص المقابلة

لمشاهدة الجزء الاول من برنامج صورة عن قرب مع فيصل الحسيني يرجى الضغط على الرابط التالي:https://www.youtube.com/watch?v=icADi07toBo

لمشاهدة تتمة برنامج صورة عن قرب مع فيصل الحسيني يرجى الضغط على الرابط التالي: https://www.youtube.com/watch?v=NrIcTxa1fyw

 

ولدت في بغداد وليس في القدس عام 1940 نتيجة أن الوالد خلال الثور الفلسطينية 36 – 39 اضطر تحت وطأة القوات البريطانية إلى الخروج من فلسطين جريحاً إلى لبنان وسوريا ومنها إلى العراق التقى زوجته وولدت أنا وشقيقيّ هناك.

عودتنا الأولى إلى فلسطين كانت 42/43 كنت في سن الثالثة أو الثالثة والنصف وربما هذه أبعد الذكريات لدي، لا أذكر تلك الفترة، أذكر أول مشهد في القدس في بيت جدي مقابل بيت الشرق، وأذكر كنا نلعب في حديقة بيت جدي هناك وربما مناظر متقطعة أخرى، فيما بعد توجهنا إلى السعودية وثم إلى بورسعيد. وصلنا السعودية في عام 1944 وأمضينا سنة ونصف كنا هناك الوالد والوالدة وأربعة أولاد أكبرنا شقيقتي هيفاء، موسى شقيقي الثاني وأنا ثم شقيقي الأصغر غازي، ربما ذكرياتي المتواصلة تبدأ في تلك الفترة التي دخلنا فيها السعودية أمضينا سنة ونصف ما بين جدة ومكة والطائف لنعود إلى القاهرة وندخلها عام 1946. ربما المدة الأطول التي عشناها كعائلة متماسكة متكاملة كانت فترة المملكة العربية السعودية (سنة ونصف) نعيش كأب وأم وأطفال يعلمون أبناءهم، يلعبون معهم، يخرجون إلى الخلاء، نتسلق بعض الجبال المحدودة في منطقة مكة. أذكر هناك تعلمنا من الوالد على أنواع الحجارة، وماذا يعني حجر بركاني وحجر عادي. ما زلت أذكر أشياء من هذا القبيل، لم يكن هناك مدارس وبالتالي كنا نتعلم في البيت. كما كانت تقول والدتي أنها السنة والنصف الوحيدة التي عاشتها كزوج وزوجة وعائلة وأولاد عدا عن ذلك - فيما سبق ذلك وما تلا ذلك - كان الوالد دائما مشغول بقضايا العمل الوطني أو العمل المسلح أو في ميادين القتال أو في المستشفيات أو في المعتقلات. الدراسة الابتدائية والإعدادية والثانوية في القاهرة (في مصر)، بدأت دراستي الجامعية في بغداد في كلية العلوم قسم الجيولوجيا في بغداد، بعد ثورة تموز التحقت بالجامعة هناك ولكن مع بدء الصراع ما بين القوميين والشيوعيين في بغداد اضطررت إلى مغادرة العراق تحت ضغط الاحتلال الشيوعي هناك وعدت إلى القاهرة لاستكمل دراستي في كلية العلوم في جامعة القاهرة. في تلك الفترة كان العمل الطلابي الفلسطيني قد بدأ يتطور نحو إنشاء الاتحاد العام الطلابي الفلسطيني وكنت أنا من مؤسيي هذا العمل، وبالتالي اندفعت في هذا العمل الطلابي إلى درجة أني كنت بالفعل مسجلا هناك فقط بالجامعة ولكن كل وقتي ونشاطي كله كان ضمن هذا الاتحاد، لهذا السبب لم أتمكن من إنهاء دراستي بكلية العلوم، انتقلت إلى كلية التجارة... كليات أخرى لاستمر فيما بعد في أشكال التنظيم الفلسطيني انتهت في منظمة التحرير الفلسطينية عام 64/65 في القدس.

في المدرسة كانت حركة الإخوان المسلمين ناشطة وكانوا قد حققوا نوع من الحياة الاجتماعية في داخل المدرسة، كان ذلك على قاعدة الاتفاق الذي أبرمه جمال عبد الناصر سنة 54 مع القوات البريطانية للانسحاب من هناك، وأذكر أن هذه كانت مرحلة حاسمة للخيارات، ولكن هذا الصدام السياسي جعلني أنحاز لجانب جمال عبد الناصر ولجانب فكرة الوحدة العربية، وبالتالي بدأت أمارس حياتي بصفتي مرتبط بهذه القيادة وبهذا الأسلوب الذي اتبعه جمال عبد الناصر، الشعارات التي يطرحها جمال عبد الناصر، وأذكر مدى الفخر والاعتزاز الذي أشعرني به عبد الناصر يوم أعلن عن تأميم قناة السويس. ثم بعد ذلك كانت الحرب، كُنا قد تدربنا عسكرياً قبل ذلك كنت أيامها أنا في السادسة عشرة من عمري ولكن مع ذلك توجهت بهذا السن إلى معسكرات الجيش المصري وتمكنت في الواقع في الأيام الأخيرة من الحرب بالالتحاق بالقوات المصرية، وأذكر أنه في اليوم الذي تسلمت فيه بندقية -في ذلك اليوم بالذات- أعلن وقف إطلاق النار.

الوالد كان لاجيء سياسي في السعودية واستقرينا بالنهاية في مدينة مكة في تلك الفترة كما قلت لم يكن هناك مدارس، وإنما تولى الوالد تعليمنا بنفسه. الوالد كان يكتب والوالدة كانت ترسم وبالتالي سوياً ألفوا كتبا تعليمية مع غياب هذه الكتب في تلك الفترة، ولربما كانت هذه الكتب المتواضعة ولكن التي اتسمت بشيء من الغرابه دعيني أقول. الوالد كان يعمل  في المتفجرات، كان مهندس كيماوي، مهندس عسكري ومهندس متفجرات، وبالتالي كان يستخدم في تلك الفترة الفسفور، وبالتالي كان يستخدم الفوسفور أيضا في هذه الرسوم، حيث أننا في الليل كنا نحضر هذه الدفاتر والكتب وننظر إليها في الظلام نرى لمعان الفسفور الذي كان جزء من القصة المكتوبة والتي كان علينا أن نقرأها فيما بعد عندما تضيء الأنوار مرة أخرى، طبعا هنا نتحدث عن أنوار مصابيح الكاز أو الزيت.

مكة محاطة بالجبال وبالتالي كنا نخرج إلى الجبال، نمضي وقتا طويلا ونحاول أن نتعرف على الطبيعة، تعلمنا الشِعر، الوالد حفظنا الكثير من أبيات الشِعر هو نفسه كان ينظم الشعر أحياناً عن فلسطين، عن الوضع في فلسطين عن الخطر الذي تواجهه بلاده، كل هذه الأشياء كانت تأتي من الحياة الطبيعية.

 عندما وصلنا إلى مصر عام 1946 كنا جميعاً أطفالا، نعرف ما يواجهنا من مشاكل في المستقبل وما يمكن أن يواجهنا من واجبات عندما نكبر. أذكر انه في تلك المرحلة أنه لم نكن مهتمين فقط بما يجري في فلسطين ولكن أخبار الصراع في باكستان والهند على كاشمير، كنا مهتمين جدا بمتابعة هذه الأخبار. كنت في السابعة من عمري على ما اعتقد لكن هذا الأمر هام جدا بالنسبة لنا وما زلت أذكره. وبالتالي لم يقتصر الاهتمام لدينا على القضية الفلسطينية ولكن على مجريات ما يحدث حولنا في العالم. ردة فعلى لهذا الشيء، أنه وجدت هذا الشيء، نشأت فيه وقد تعلمت شيئا جديدا ولكن هكذا وهكذا عشنا وعرفنا الدنيا، هذا الأمر فيما بعد أدى إلى حياة خاصة كانت لنا في القاهرة، شعرت دائماً أنه لنا مهمة خاصة لنا قضية خاصة أمضينا في القاهرة حوالي 18 عاماً، أنا شخصيا أمضيت 18 عاماً، كنا من القلائل الذين احتفظنا بلهجتنا المقدسية كنا بالخارج نتحدث اللهجة المصرية بشكل كامل ولكن بالبيت فقط اللهجة المقدسية، عندما عدنا إلى القدس لم يلاحظ أحداً أننا كنا غائبين عن هذه المدينة فيما يتعلق بالعائلة تطورات وضع العائلة بقينا على اتصال دائم بها، كنت أعيش في القاهرة لكن في نفس الوقت حياتنا بالقدس لم تكن غريبة أو بعيدة عنا. ربما كل هذا نتيجة هذا الشعور بأننا مرتبطون بقضية معينة وربما كان هناك شعوراً بأننا كنا مكرثين لهذه القضية، كان أحد أقاربنا يزورنا في تلك الفترة بين الفترة والأخرى وكان ضمن المقاتلين واستشهد قبل فترة وجيزة من استشهاد والدي، وبالتالي فكرة الاستشهاد والقتل فقدان إنسان قريب جدا لم تكن بعيدة عن أذهاننا مع أننا كنا أطفال.

أذكر في ذاك اليوم 8 نيسان بدأت تأتينا الأخبار لربما ليس الثامن من نيسان ولكن في التاسع من نيسان. صباح ذاك اليوم أتاني شقيقي الأكبر، أحضر لي الصحيفة اليومية وطلب مني قراءة العنوان الرئيسي مانشيت وكان مكتوب هناك: استشهاد عبد القادر الحسيني، وسألني هل فهمت الخبر قلت له نعم فهمته، والدنا استشهد، قتل في الحرب، قال لي إذا اشرح الموضوع لشقيقك الأصغر، واذكر أنه في ذك اليوم طلبت  أخي الأصغر، لدينا دكة  امام المطبخ حسب ذاكرتي جلست أنا وهو، وهو أصغر مني بسنة، بدأنا نتحدث وبدأت أشرح له بان والدنا - يذكر أن خالي قتل بالحرب والان والدنا قتل بالحرب استشهد ، وهو بدأ يسألني بعض الأسئلة هي أن هل والدنا بطل نعم والدنا بطل، قتل في الحرب أثناء الحرب نعم، سألني سؤال بعد ذلك هل يعني ذلك أننا نحن لن نراه أبداً، أنا فوجئت بأن هذا السؤال جديد لم يخطر على بالي في تلك اللحظة استوعبت تماما أننا لن نراه بعد ذلك، مع أنني كنت أعرف معنى الموت، لكن الحقيقة بكاملها تمثلت أمامي  نتيجة سؤال أخي الأصغر بهذا الشكل. طبعا عشنا بفترة من الفترات العالم يتعامل معنا بشكل خاص ونحن بدأنا نتعامل مع هذه الدنيا بشكل خاص ومع انفسنا، لربما نتج عن ذلك انه عشنا فترة الطفولة لم نعرفها بالمعنى الذي عرفه أطفال آخرون. لربما شعرت شعورا آخر ولربما بكيت منفرداً. بعد عدة أيام قليلة من استشهاد الوالد أذكر كان لدينا  دعوة، دعينا من دعانا الى الغذاء وبالتالي كان هناك مأدبة واسعة، وأذكر أنه نقصنا بعض أدوات الطعام فتوجهت إلى عائلة فلسطينية أخرى في الجوار. وذهبت هناك، استقبلوني وعرضوا علي خبر معين في إحدى الصحف. يقول هذا الخبر بأن الحكومة المصرية قررت أن تعفي أبناء عبد القادر الحسيني من الأقساط وأن يتم تعليمهم مجاناً. في تلك اللحظة شعرت بهذا الشعور باليتم لان النتيجة هنا يجب أن يرعاني أحد آخر، هنا في قصور. أذكر أنني تركت البيت بسرعة وعدت وأنا أجري راكضاً إلى البيت، وتوقفت في مكان ما في نصف الطريق وبكيت، بكيت بمرارة وفقط بعد أن جفت دموعي عدت إلى البيت. كانت لربما هذه المرة الوحيدة التي بكيت فيها لهذا السبب. لكن بعد ذلك لم أشعر بالموضوع لأنه بالأساس لم يكن لدينا الإحساس بأن إدارة البيت كانت تختل أثناء سفر الوالد وبالتالي لم تختل مع استشهاده. طبعاً كان هناك شعور بهذا التمايز بأنه هو بطل وانه أنا ابن عبد القادر الحسيني البطل الشهيد كل الناس بتعرفه ومنذ الصغر لربما أكثر واحد تأثر بذلك هو أخي الأكبر الذي شعر منذ اللحظة الأولى أنه هو أصبح مسؤولا كان هو في العاشرة من عمره، لكن بدأ يتصرف أنه هو سيد البيت هو الذي يقابل الناس وهو الذي يجلس، بدأ حتى في العابه يلعب منفردا امتنع عن اللعب معنا حتى يحافظ  لنفسه على مكانه أنه هو الأكبر في البيت، وفي نفس الوقت يتصرف على هذا الأساس أنه الآن هو الذي يمثل أمام الناس ذاك الرمز أو ذاك الشهيد أو البطل هو يمثله أمام الناس وبالتالي عليه أن يلتزم بأشياء كثيرة. أنا نشأت هكذا بانه في هناك قضية نحن نعيش في مركزها وفي وسطها تفاصيلها، لربما كانت مشكلتي هي مع  شعوري أو إحساسي بالذات لأن هذه الذات كانت في تعتبر جزءا من الذات الأخرى ذات عبد القادر الحسيني ولهذا السبب كنت أشعر بالضيق في ببعض الأحيان يتم التعريف على انني ابن فلان وأنا أتوق بأن يعرف علي بأنني فلان وكذا صفاته وفي النهاية هو ابن عبد القادر الحسيني هذه في فترة معينة لربما خضت مثل هذه المعركة وكأنني أتصارع أو أصارع ظل عبد القادر الحسيني ولكن مع مزيد من النضج وجدت أنه لا داعي لمثل هذا الأمر.

 

 أول ملامسة لي بالعمل السياسي من ناحية القرار الشخصي من قبلي ربما بدأ ذلك عام 1954 /55 ، كنت في الرابعة عشر من عمري، وكانت المناسبة الأولى هي عندما أتى همر شولد إلى القاهرة وكانت عزة قد قصفت بالمدفعية الإسرائيلية وكان هناك مظاهرة للطلبة الفلسطينيين احتجاجا على ما يجري، وقررت وقتها وبقرار خاص بي أن أبدأ بالمشاركة وشاركت في تلك المظاهرة ومن يومها بدأت في علاقات مع قوى سياسية وكانت هذه هي البداية.

فقط في عام 1964 دخلت القدس، وعدت إلى القدس لاعمل مباشرة في منظمة التحرير الفلسطينية في قسم التنظيم الشعبي في منظمة التحرير الفلسطينية وبالتالي عدت لأتعرف وليتعرف الناس علي في فلسطين ، وبالتالي أستطيع أن أقول أن أول ملامسة سياسية على الأرض الوطن ومعرفة الناس بي كفيصل الحسيني كانت في عام 1964. وبدأت حياتي هنا لدى أقاربي ولكني بعد ذلك استأجرت غرفة مع صديقي في القدس هنا، ومن تلك اللحظة التواجد المستقل دعيني أقول- لم اكن صغيرا كنت في الرابع والعشرين من عمري- لكن بدأت مرحلة جديدة في حياتي كشخص يعيش بشكل عزابي متل مبقولي. علاقاتي كانت كلها علاقات تتعلق بالعمل بالتنظيم الشعبي، وبالتالي كانت التنقلات ما بين القدس، نابلس، جنين، طولكرم في منطقة عملي وكانت كلها اتصالات خاصة فيما يتعلق بالقرى الأمامية ، حيث كنا مهتمين جدا باقامة تنظيم شعبي هناك. أستطيع أن أقول أنه لم تكن هناك لي ما يسمى بحياة اجتماعية كاملة بقدر ما كان لي حياة سياسية اكثر تغلبا. لا أستطيع أن أقول كانت هناك شيء مميز بشكل كبير عام 1964 سوى هذا العمل الجديد وهذا الظهور الجديد لمنظمة التحرير الفلسطينية على الأرض الفلسطينية وبداية إعادة بناء الهوية الفلسطينية مرة أخرى، إعادة ترميم هذه الهوية، وهذا استلزم تحرك واسع في داخل الأرض الفلسطينية لربما كانت أكثر اللحظات أهمية في تلك الفترة هو الصدام الذي بدأ ينشأ ما بين منظمة التحرير الفلسطينية والحكومة الأردنية ،والذي تم خلاله اعتقال العديد منا وكنت أنا أحد المعتقلين، ومع ذلك اعتقلت بنفس الفترة التي لم تنقطع فيها العلاقات ما بين المنظمة والأردن اذكر في تلك الأيام كانت هناك حادث أنا أعتبره فاصلا. كان هناك حملة اعتقالات سنة 1966، وفي تلك الفترة كنت أعمل في منظمة التحرير الفلسطينية وبعض أعضائها كانوا قد توجهوا إلى جنوب الأردن بعمل خاص بالمنظمة، وحصل فيضان في تلك الفترة أمطار شديدة وأصبحت فيضانات وقطعت أخبارهم وذهبت إلى هناك للتأكد من مصير هؤلاء الأعضاء، ذهبنا إلى معان وحصلنا على الأنباء الأولية وقررنا العودة وأثناء العودة أصبت بمغص كلوي شديد جدا وبالتالي عدت إلى القدس وأنا في حالة مرضية شديدة، أحد أقاربي أصر أن أنتقل من بيتي الذي كنت أسكن فيه وحدي في هذه الشقة إلى بيته، وبالفعل نقلت إلى هناك وفي تلك الليلة بالذات أتت المخابرات الأردنية تتطلب اعتقالي، لم يجدوني في البيت توجهوا إلى البيت الذي أنا موجود فيه، والقريب الذي أقمت عنده هو بنفس الوقت طبيب، فأبلغهم بأنه يحملهم  مسؤولية موتي إذا تم اعتقالي، واضطروا إلى أن يكتفوا بأخذ جواز السفر وأجل اعتقالي لفترة معينه، في هذه الفترة تم تدخل العديد من السياسيين من ضمنهم محافظ القدس أنور الخطيب، ووصول إلى اتفاق مع الحكومة الأردنية أن لا يتم اعتقالي وإنما أغادر البلاد لفترة محددة شهرين أو ثلاثة أشهر إلى أن تهدأ الأمور، وأبلغوني بذلك، كان جوابي أنني لا أريد أن أغادر البلاد وأفضل أن اعتقل ويحقق معي لكنني لن أغادر البلاد وهذا ما تم، وأذكر يومها أن عناصر في الشرطة الأردنية والمخابرات الأردنية أبلغوني بأني لو وافقت على العرض الأول بأني هذه أخر مرة أرى فيها القدس.

 عام 1967 هو العام الذي بعد أن تمت فيه هذه الحرب انهت هذه الحرب انتهى تواجدنا في لبنان والذي حاولنا من خلاله إقامة تنظيم عسكري في لبنان لاستمرار او للاستمرار في عملية محاربة إسرائيل من جنوب لبنان، انتهى هذا المعسكر وقررت العودة إلى القدس، وبالتالي ربما يكون الحدث السياسي الأهم رغم انه كان له غطاء عسكري في تلك الفترة ولكن اعتقد أنه سياسي ووطني، كانت في عملية العودة إلى القدس في تلك الفترة مجموعات كبيرة من الشباب الفلسطيني  المنتمين لمختلف الحركات السياسية التي كانت قائمة آنذاك، كانت قد بدأت بالدخول وكان هناك نوع من التعاون مع الجميع يعني ممكن أن تجدي شخص من حركة القوميين العرب ينضم إلى دورية تابعة لفتح للنجاح في الدخول والعكس صحيح، وبالتالي عدت في تلك الفترة إلى القدس وبدأنا في محاولة إعادة إيجاد صيغة للعمل الفلسطيني في الداخل. وأمضيت فترة حتى يوم 25/10/1967 ونحن في محاولة لإيجاد نوع من الصيغة السياسية. تم الاتصال مع كافة القوى مع حزب البعث مع الحزب الشيوعي، مع زعامات تقليدية، مع حركة القوميين العرب التي كانت قد انقسمت على نفسها في تلك الفترة مثلها مثل حزب البعث وسواه، ولكننا نحاول أن نعيد الاتصال بين هذه القوى كلها، وربما وصلنا في فترة من الفترات الى تقريبا أن يكون هناك تحرك فلسطيني داخلي مستقل عن أي شيء أخر في  مواجهة وضع الاحتلال وصرنا نسير وكل الأيديولوجيات والسياسات الأخرى في سبيل مواجهة الاحتلال الإسرائيلي بيد واحدة، اعتقد أن العمل السياسي الأهم الذي أستطيع القول أنني كنت جزء منه في عام 1967 والذي قطع باعتقالي في القدس 25/10/1967.

الانتفاضة هي التي أعادت أرضية منظمة التحرير الفلسطينية وقاعدة منظمة التحرير الفلسطينية التي تقف عليها أعادتها إلى الأرض الفلسطينية، منذ عام 1967 أو بعد عام 1948 القيادة الفلسطينية اضطرت أن تخرج إلى الخارج، معظم الشعب الفلسطيني أصبح يعيش حياة اللاجئين، كل مجموعة فلسطينية تعيش في دولة مختلفة عن الدولة الأخرى تعيش في ظروف مختلفة، وربما حرب 67 لأول مرة أعادت هذا الاتصال ما بين الشعب الفلسطيني ككل وبدأنا نمارس عملنا مرة أخرى كفلسطينيين ولكن لم نتمكن من إيجاد قواعدنا على الأرض الفلسطينية ولم نعد نصارع العدو من أرضنا الفلسطينية وإنما أيضا تحت وطأة هذا الضغط الإسرائيلي على الأراضي الفلسطينية المحتـلة، انـتقلت الثورة الفلسطينية مـن داخـل الأراضي الـفلسطينية إلى خارجها.

كنا نخوض معركة مفاوضات طويلة بدأت في مدريد وانتقلت إلى واشنطن، في تلك الفترة كان الهم الأساسي لدينا هو الأرض وبالتالي عملية الاستيطان ووقف الاستيطان. في تلك المرحلة التي كنا نخوض فيها العملية، كان دائماً هناك تساؤل كيف يوقف الاستيطان هل يوقف الاستيطان ثم تتم الاتفاقية، ام تتم الاتفاقية لتأتي بواقع جديد وإلية جديدة تؤدي إلى وقف الاستيطان في تلك المرحلة يبدو ودون أن نشعر أنه كان هناك سباق ما بين المفاوض الفلسطيني في أوسلو والمفاوض الفلسطيني في واشنطن، طبعاً في أوسلو كانوا على إطلاع بما يجري في واشنطن في حين في واشنطن لم نكن على إطلاع بما يجري في أوسلو وبالتالي كانت مفاجأة لنا وكانت مفاجأة للجمهور بأنه تم  اتفاق أخيرا في أوسلو وبالتالي نحن كوفد مفاوض في واشنطن انتقلنا من مصدر للأنباء إلى متلقين للأنباء مباشرة بعد اتفاقية أوسلو.

في الواقع إسرائيل ضمن خطتها التي تمارسها معنا هي محاولة عزل القدس عن باقي أنحاء الضفة الغربية ثم محاولة طرد أكبر عدد من الفلسطينيين من الداخل ثم محاولة احاطة القدس وإحلال العنصر الإسرائيلي اليهودي محل العنصر الفلسطيني، ما كان يجري في جبل أبو غنيم هو جزء من محاولة إغلاق هذا الجدار الذي حاولوا أن يبنوه حول مدينة القدس حتى يفصلوا القدس نهائياً عن منطقة بيت لحم المنطقة الجنوبية، وبالتالي عندما خضنا هذه المعركة في جبل أبو غنيم لمحاولة إيقاف هذه المستوطنة هو لمنع الإسرائيليين من استكمال إغلاق البوابة ما بين القدس وبيت لحم وبيت جالا وجنوب فلسطين. في حين أن محاولة  مستعمرة أو محاولو بناء مستوطنة في سلون في رأس العامود هي جزء من المخطط الذي كان يسعى إلى زرع مستوطنات إسرائيلية في داخل التجمعات الفلسطينية حتى يخلقوا واقعاً جديداً يشابه الواقع الذي خوض في الخليل نتيجة إيجاد الاستيطان في وسطمدينة الخليل ليجعلوا أي تسوية سلمية في المستقبل تكاد تكون مستحيلة بأن يخلقوا مثل هذا التداخل ويفرضوا مثل هذا التداخل الذي يصّعب أي ترتيبات أمنية أو سياسية في المستقبل، وبالتالي في موقفنا بالنسبة لموضوع رأس العامود هو من أجل تلافي مصير الخليل أو جزء من الخليل الذي فرض عليه وجود إسرائيلي مستمر حتى في هذه المرحلة، بسبب هذا التواجد الاستيطاني اليهودي في قلب التجمع الفلسطيني السكاني.

 برغم أني ما ولدت في القدس وطفولتي ما قضيتها في القس، لكن هاجسي كان دائما القدس. في اللحظة التي عدت فيها الى القدس لم يعد لدي شيء إخلر يعني حتى في أحلامي عندما كنت في السجن لم أحلم بأن -عادة السجين يحلم بالإفراج والحرية بالتواجد في الأماكن الذي تواجد فيها دائماً، أنا في أحلامي في القدس لم يخرج  نطاقها عن مدينة القدس. في السجن باستمرار لم تخرج أحلامي عن مدينة القدس، لا أذكر أني حلمت حلماً بأني حرا خارج مدينة القدس. ولكن هذه المنطقة (يشير بأيديه الى المنطقة حوله اي المنطقة حول بيت الشرق) ربما لو سألتيني القدس بالنسبة لي بشكل خاص هي البلدة القديمة هي هذه المنطقة المحيطة، وادي الجوز، باب الساهرة، يمكن هذه المنطقة بالنسبة لي الأقرب لأن تكون القدس من ناحية عاطفية  من ناحية ذكريات، بعدها أي مكان أذهب إليه أشعر بأنه تقطعت جذوري إلى أن أعود إلى هذه المدينة، لم أشعر حقيقة بنوع من الاستقرار إلا في هذه المدينة بالرغم من أنها ما لم يكن يوم من الأيام هي نفسها تعيش حالة من الاستقرار.