جاري تحميل الموقع . يرجى الانتظار

جلجيا 15/2/1990

فيصل الحسيني:

مساء الخير،

 

أنا أشكركم على هذه الدعوة وأود أن أُعبر هنا عن مشاعرنا عندما نأتي إلى هذه المنطقة، عندما نأتي إلى القرى الفلسطينية الصامدة، عندما ننظر إلى عيون أخوتنا هنا، نرى فيها الإصرار على  البقاء، الإصرار على الثبات، عندها نعرف بأنه ما من قوة  تستطيع أن تهزم الشعب الفلسطيني.

كما فهمت فإنها ندوة وبالتالي لا أريد أن أطيل بالحديث، إلا أنني أود هنا أن أعطي صورة معينة عن كيفية رؤيتنا للانتفاضة، أهدافها ورسالتها وربما بعد ذلك تمكنا عن الحديث عن الدور الذي يمكنكم أن تقوموا به من أجل انتفاضة الشعب الفلسطيني من أجل تحقيق أهداف الشعب الفلسطيني لإقامته لدولته المستقلة.

الانتفاضة ليست عملية عسكرية، الانتفاضة التي قامت لا تعمل على تحرير الأرض شبرا شبـرا، هي ليست عملية عسكرية تعمل على تحطيم آلات العدو آلة بعد آلة، وفرقة بعد فرقة، إنما الانتفاضة هي شيء آخر. الانتفاضة هي حركة شعبية شاملة ثورية من نوع جديد تعمل على تغيير الفكر، تعمل على تغيير الأفكار المسبقة، تعمل على تغيير الرأي العام، ونحن نناضل ونكافح على أربع جبهات: جبهة الرأي العام الفلسطيني، جبهة الرأي العام الدولي، جبهة الرأي العام الإسرائيلي، وجبهة الرأي العام العربي.

في السنة الأولى من الانتفاضة كان الصراع برغم كل شيء، برغم الشهداء، برغم الدماء التي سالت، برغم نظرة العالم إلى هذا التحرك، إلا أن الحقيقة أن المعركة كانت من أجل الرأي العام الفلسطيني، كانت معركة داخلية فلسطينية، معركة في داخل كل فلسطيني منا، معركة تدور ما بين العدل المطلق والعدل الممكن، معركة تدور ما بين الحلم المشروع والواقع، هذه المعركة التي دارت هنا في داخل كل فلسطيني. فكان للانتفاضة من خلال مسيرتها أن تخرج بنتيجة حملها الشعب الفلسطيني بمجموعه، ومن خلال اجتماع المجلس الوطني الفلسطيني التاسع عشر، حيث خرجت القرارات الفلسطينية التي تحدد أهداف الشعب الفلسطيني التي تحدد مبادرة السلام الفلسطينية، هذه المعركة كانت معركة مؤلمة لم يكن من السهل علينا أن نتخذ بعض القرارات بعد كل هذا النضال، بعد كل تلك الضحايا، بعد كل تلك المعاناة في مخيمات اللاجئين في معارك عديدة هنا وهناك. لذا قررنا أن نقبل بقرار (181) وقررنا أن نقبل بقرار (242) وقرارات أخرى، قلناها صراحة بأننا نريد أن نقيم دولة فلسطينية بجانب دولة إسرائيل وليس بمكانها، هذا الأمر لم يكن سهلاً علينا. أذكر عندما أعلن في المجلس الوطني الفلسطيني عن وثيقة الاستقلال للقبول بحل الدولتين، وكان الاكتفاء فقط بجزء من الوطن لنقيم عليه دولة، كان أعضاء المجلس الوطني يصفقون ويبتسمون ولكن الدموع كانت ملء العين، كانت بعرض الوجوه، أخذنا قراراً مؤلماً ولكنه كان ضروريا، من أجل أن نبني أجيال، من أجل أن لا نهدم أجيالنا القادمة، من أجل أن نبني مستقبل جديد لكل هذه المنطقة لكل الشرق الأوسط.

 في العام الثاني حملنا هذه الرسالة، حملنا هذه المبادرة وتسلحنا بها، وقاتلنا على مستوى الرأي العام الدولي، وحققنا هناك انتصارات. إن الموقف الأوروبي الآن واضح جدا في التأييد لنا، حققنا أيضا انتصارات رسمية وفي الرأي العام العالمي والأمريكي، ولكننا على كل الأحوال حققنا خطوات ضخمة إلى الأمام، إن المظاهرة التي تمت في نهاية العام الماضي والتي شاركت فيها قوى أوروبية ودولية مختلفة وشاركت فيها قوى إسرائيلية مختلفة هذه المظاهرة العملاقة كانت دليلا على مدى التطور والتحـرر بالنسبة للـرأي العـام الدولي لتأييد قضيتنا.

العام الثالث نحن نرى أنه يجب أن نبدأ بخوض معركتنا على الجبهة الثالثة على جبهة الرأي العام الإسرائيلي، والانتفاضة أثرت على هذه الجبهة، أثرت على الرأي العام الإسرائيلي، قد تكون حتى الآن لم تغير التوازنات، ولكنها جعلت الوضع في إسرائيل أكثر وضوحاً، الآن نستطيع أن نقول بشكل أو بآخر أن هناك معسكران في إسرائيل، معسكر ما يطلق عليه الحمائم بشكل أو بآخر ومعسكر الصقور، الانتفاضة خلال السنتين أحدثت تغير معين، هذا التغير جعل الحمائم أكثر حمائمية وجعلت الصقور أكثر صقرنة - أي أنها عملت نوع من الفرز ما بين قوتين رئسيتين: الصقور في إسرائيل الذين يحاولون من خلال استمرار الاحتلال واستثمار هذا الاحتلال أن يوطدوا قوتهم وسلطانهم مما يؤدي إلى تغيير في شكل المجتمع الإسرائيلي. هم يدفعون بهذا المجتمع إلى مزيد من الفاشية، إلى المزيد من تدمير الذات، إلى مزيد من الابتعاد عن الصورة الديمقراطية التي رسمها الإسرائيليون لأنفسهم- هذا الوضع الذي أصبح يهدد الطرف الآخر الإسرائيلي، يهدد مستقبله، يهدد شكل الدولة وشكل المجتمع في المستقبل، هذا الوضع هو الذي يجعلنا نعتقد بأنه الآن علينا أن نعمل أكثر على مستوى الرأي العـام الإسرائيلي. لأنه هناك مجموعة من الإسرائيليين بدأت تشعر بأن الاحتلال لا  يؤذي فقط الشعب تحت الاحتلال، وإنما يؤثر بشكل سلبي أكثر على الشعب المحتل، على أخلاقياته، وبالتالي هم عليهم الآن أن يبدأوا بالقتال والنضال ضد الاحتلال ليس فقط من أجل إرضاء الضمير، ولكن من أجل الدفاع عن كيانهم عن مستقبلهم عن الشكل الذي أرادوا أن يبنوا مجتمعهم من خلاله. هذا الأمر هو الذي يجعلنا الآن نعمل وبشكل أكبر على توضيح رسالة الانتفاضة رسالة الشعب الفلسطيني رسالة منظمة التحرير الفلسطينية. وهذه الرسالة واضحة وبسيطة- نحن نناضل من أجل تحرير شعبنا وليس من أجل استبعاد أي شعب آخر، نحن نكافح من أجل إقامة دولة فلسطينية وليس من أجل تدمير أو إزالة أي دولة أخرى، نحن نناضل من أجل تأمين مستقبل أجيالنا القادمة وليس من أجل تهديم أمن ومستقبل أي أجيال قادمة لأي شعب آخر- هذه الرسالة يجب أن يتم نقلها بشكل واضح إلى الإسرائيليين، يجب أن يتم نقلها ليس فقط من خلال الطرح النظري، وإنما أيضاً من خلال الممارسة اليومية، نحن نرى أنه من الممكن أن نحدث هذا التغيير في داخل المجتمع الإسرائيلي، ونرى أن لكم أنتم بالذات الفلسطينيين هنا دور في هذا الشأن. انتم المتواجدون باستمرار بينهم تستطيعون أن تطرحوا هذه الرسالة الفلسطينية بشكل ننتزع من داخل التفكير الإسرائيلي تلك الصورة التي تقول بأن هدف الفلسطيني تدمير دولة إسرائيل، بأن الهدف الفلسطيني إلقاء اليهود بالبحر، علينا أن نجعلهم يفهموا بأن القرار الذي اتخذ بشأن حل الدولتين هو قرار ليس تكتيكياً ليس مؤقتاً وإنما قرار اتخذناه من أجل بناء مستقبل جديد في منطقة الشرق الأوسط. نحن نوضح هنا أن إقامة الدولة الفلسطينية هي فقط الخطوة الأولى نحو فتح الأبواب بمنطق التعاون الاقتصادي في منطقة الشرق الأوسط، تستطيع أن تبني كتلة اقتصادية سياسية تتمكن من مواجهة الظروف الصعبة في القرن الواحد والعشرين، مواجهة عمالقة الاقتصاد في العالم: أوروبا الغربية، اليابان، دول جنوب شرق آسيا، الولايات المتحدة، أوروبا الشرقية كما تبني نفسها الآن مع الاتحاد السوفييتي، هناك وضع اقتصادي جديد لا تستطيع الدول الصغيرة فيه أن تستمر، بريطانيا، فرنسا، ألمانيا، ايطاليا، لم يعد بامكانها أن تعيش لوحدها، لذا بنوا السوق الأوروبية المشتركة التي تتحول بعد سنتين إلى وحدة سياسية متكاملة، وهذا شأن الشرق الأوسط، وإن لم نتمكن من إعادة صياغة الشرق الأوسط بشكل منطقة تعاون اقتصادي واسعة قوية، فسنكون أكبر الخاسرين في القرن الواحد والعشرين، وهذا ينطبق على إسرائيل كما ينطبق على كافة الدول العربية.

نحن يجب أن نقول للإسرائيليين بأن عليهم أن يختاروا بين أحد اثنين: إما أن يكونوا جزء هامشي وغير هام من أوروبا، وإما أن يكونوا جزء فعال وهام في هذا التجمع في الشرق الأوسط، بامكانهم أن يفتحوا لأنفسهم هذا الباب وأن يكونوا جزء إذا تصرفوا على أنهم جزء من الشرق الأوسط، وأولى الخطوات إنهاء القضية الأساسية قضية الخلاف الأساسي وهي قضية الشعب الفلسطيني، من خلال إعطاء الشعب الفلسطيني حقوقه ومن خلال إقامة الدولة الفلسطينية. من الممكن أن تبدأ فترة سلام جديدة تمتد لكل المنطقة العربية لكل منطقة الشرق الأوسط، لنبني حياة جديدة لا يقوم السلام فيها ولا يقوم الأمن فيها على أساس توازن القوى، وإنما على أساس المصالح المشتركة، من مركز قوة، نحن نقول للإسرائيليين أمامكم مستقبل يمكن أن تعيشوه، أمامكم مجتمع لم يعد خائفا منكم، هو قادر على المواجهة الاقتصادية، هو قادر على المناجزة العسكرية وهو قادر بكثير من الأطروحات السياسية التي يمكن أن توجد لكم دورا هنا في هذا التجمع ان يعيد رسم الوضع السياسي في كل هذه المنطقة.

انتم قادرون على أن تنقلوا هذه الصورة أنتم جزء من الشعب الفلسطيني ولكن كما أن لكل جزء من الشعب الفلسطيني واجب معين أنتم لكم دور وواجب معين، على سبيل المثال نحن نناضل من أجل إخراج السلطة الإسرائيلية من أجل إخراج القوات الإسرائيلية والحكم الإسرائيلي من أراضي دولة فلسطين المحتلة لإقامة دولة فلسطينية هناك،  أنتم تناضلون من أجل دعم هذا العمل هذا النضال ولكن نضالكم الأساسي من نوع آخر هو نضال من أجل ثباتكم على الأرض من أجل حصولكم على حقوقكم من أجل تغيير الكثير من المواد القانونية العنصرية التي لا تُتيح لكم أن يكون لكم نفس الحقوق وأن تكونوا مواطنين من الدرجة الأولى وليس من الدرجة الثانية، هذا عامل النضال الأساسي لكم، ولكن بنفس الوقت نضالكم هذا يجب أن يرافقه نضال من أجل إقامة الدولة الفلسطينية، بنفس الوقت إقامة الدولة الفلسطينية سينجم عنها مزيد من القوة لكم بحيث تحصلوا على حقوقكم كاملة، المهم هناك أسلوب مختلف عن أسلوب نضالنا لكن الهدف يبقى واحداً، الهدف هو إقامة دولة فلسطينية للشعب الفلسطيني هو تحقيق المساواة والحقوق للمواطنين الفلسطينيين في داخل الدولة الإسرائيلية.

لا أريد أن أطيل أكثر من ذلك لكي أُعطي فرصة لإخوتي للحديث وآمل أن نجيب فيما بعد على الأسئلة التي يُمكن أن تطـرح.

 

وشكـراً.....