عندما مرت تلك الرصاصة بجانب رأسي، علمت أنها لم تكن بالصدفة، كان من المفروض أو من المتوقع أن تستقر في الرأس. لكنها حركة لا شعورية أتيت بها لأفلت من الموت، ولأواجه ولادة جديدة، وبقيت اسأل نفسي: هل حقاً لم تصبني تلك الرصاصة في الرأس؟ هل حقاً تلك الرصاصة وما تلاها لم تقتلني؟ أعني لم تقتل ذلك الإنسان الذي عاش في هذا الجسد حتى تلك اللحظة، هل مات ذلك الإنسان، وأنا الآن إنسان آخر؟ لقد كان المكان مليئا بالكراهية والحقد، بالمخاوف والشكوك، بروح الانتقام المتعطشة للدم، بالأعاصير التي تعصف بالقيم الإنسانية، وكان علي أن أستنشقها مرغماً مع الغازات التي أطلقتها الشرطة في المكان المقدس...
لا.. لم يمت ذلك الإنسان الذي عاش في جسدي سنوات، لكنه ولد من جديد، وبإرادة جديدة، بقوة جديدة وإيمان عميق، كان ميلاداً جديداً، صقلت فيه الأشياء، وأصبحت أكثر وضوحاً وتألقاً، فيه نور يهدي للسبيل ويكاد يعبدها. نظرت حولي والأنات تملأ المكان، والشتائم تتصاعد في المكان المقدس، ورائحة الدم الممزوج بالغاز، ورائحة البارود تُدمع العيون وتَزكم الأنوف. ووسط هذا الجو الخانق الملبد بغيوم الموت والمأساة بدأت أحضر دعائي لصلاتي:
اللهم إن الصدر مليء بالمرارة فلا تحولها إلى حقد
اللهم إن القلب مليء بالألم فلا تحوله إلى انتقام
اللهم إن النفس تملؤها المخاوف، فلا تحولها إلى كراهية
اللهم إن الجسد مني ضعيف ، فلا تحول ضعفي إلى يأس
اللهم إني عبدك القابض على الجمر ، فأعنّي على الثبات والصمود
اللهم إن الإيمان محبة
اللهم إن الإيمان يقين
اللهم لا تطفىء شعلة الإيمان في صدري
اللهم إنا أردنا الانتفاضة بيضاء فَاحْمِهـــا
اللهم إنا أردنا الحرية لشـعبنا ولم نود استعباد الآخرين
اللهم إنا أردنا بيتاً لشعبنا يلم شتاتهم، ولم نسع لتدمير دول الآخرين ولا لهدم بيوتهم
اللهم إن شعبنا مجرد من كل شيء إلا الإيمان بحقه
اللهم إن شعبنا ضعيف إلا من الإيمان بالنصر
اللهم امنحنا القوة والثبات لتبقى هذه الانتفاضة بيضاء
اللهم امنحنا اليقين والرحمة والتسامح في صفوفنا ولا تجعلنا حرباً على أنفسنا
اللهم اجعل الدماء التي سالت نوراً يرشدنا ويهدينا ويشد عضدنا،
ولا تجعلها وقوداً للكراهية والانتقام
اللهم أعِنّا على عدونا لنعينه على نفسه
اللهم هذه صلاتي لك ودعائي ... فاسمعه واستجب له واهدنا سواء السبيل