جاري تحميل الموقع . يرجى الانتظار
رثاء 09 سبتمبر 2019

 الدكتور محمد إشتيه.. الشخصية السياسية والاقتصادية ومدير عام "بدار" يقول

 فيصل الحسيني أجبر أمريكا وإسرائيل على التفاوض مع منظمة التحرير

 فيصل الحسيني كان يتمتع بمصداقية عربية عالية، لذلك كان الرئيس ياسر عرفات حينما يتعثر مع بعض البوابات العربية، كان يعتمد على أبي العبد، لفتح هذه البوابات وبشكل أساسي لدى العرب

ما بين الأيام التي سبقت رحيل أمير القدس الفقيد فيصل عبد القادر الحسيني، وخمسة وعشرين عاما مضت، ثم محطات عديدة توقف عندها الدكتور محمد اشتيه رئيس المجلس الفلسطيني للتنمية والأعمار "بكدار"، واستعرضها محطة تلو الأخرى مبتدئا بأول لقاء جمعها، وكان له الأثر الكبير في نفس اشتية، لأنه ولد لديه انطباعا بأنه في كل ما يتعلق بقضايا الوطن لا بد من التعامل مع إنسان كفيصل الحسيني، لما يتمتع به من صفات تجعله العنوان الأول، إن لـم يكـن الوحيد، في حينه في الأرض المحتلة، بالنسبة للنضال الوطني من أجـل الحرية والاستقلال.

وفي معرض حديثه عن تلك المحطات يقول الدكتور محمد إشتية: "كان أول لقاء جمع بيني وبين الراحل فيصل الحسيني قبل خمسة وعشرين عاما تقريبا في منزله بشعفاط، كنت حينها أدرس في جامعة بيرزيت، وقد انتدبت من قبل اللجنة المشرفة على الوضع السياسي في الجامعة لمقابلة فيصل، فوجئت من بساطة هذا الرجل الذي كان صيته قد سبقه بكثير، دمث خلوق، خجول، يعيش في منزل في غاية التواضع.. التقينا وبحثنا أمورا عدة، ثم أخذت علاقة العمل تتوطد وتتوسع بيننا.. عملت معه في بيت الشرق، ولدى إغلاق المقر انتقلنا للعمل في بيته في عقبة الصوانة لفترة لا تقل عن سنة، وللحقيقة وللتاريخ أقول هنا أن العمل في بيته كان ظلما له ولعائلته من قبله، والتي عانت الكثير بسبب كثرة المراجعين لفيصل في منزله، فقد كانوا يأتونه من كل صوب وحدب، وكان لا بد أن يضحي، وهو على أتم الاستعداد لذلك، وبالفعل ضحى بخصوصيته وخصوصية بيته وعائلته، وأصبح المنزل هو مكتبه.. لم تكن هناك ساعة للمراجعين، كانوا يأتونه في الصباح الباكر وحتى ساعات ما بعد منتصف الليل، عمل متواصل وبئر واسعة تتسع لهجوم الآلاف من المواطنين، ورجل كفيصل الحسيني كان من السهل عليه أن يجعل من بيته محطة للقاء الناس بكافة أشكالهم وأنواعهم.

 العنوان الأول والأهم

كان العنوان الأول والأهم في الأرض المحتلة حتى قدوم السلطة الوطنية الفلسطينية، وبالتالي العمل داخل بيته كان مرهقا له ولعائلته، ولكنه كان برهانا ساطعا على مدى إصرار هذا الرجل الإنسان على العطاء. كانت هناك قوات إسرائيلية ترابط باستمرار على مدخل البيت من الجهة الجنوبية، تراقب الداخل والخارج، وتحاول أن تقطع التواصل مع أبي العبد، لكنهم فشلوا في ذلك. 

انتقلت للدراسة في بريطانيا وكان ذلك عام 1988، هاتفني مرة وأراد أن أتدبر له دعوة لزيارة بريطانيا، وفهمت منه أنه وضع تحت الإقامة الجبرية في منزله، ويريد أن يكسر هذه الإقامة، وبالفعل استطعت أن أحصل له على دعوة، وقد ساعدني في ذلك المرحومان يوسف علان ورياض خريشة، وآخرون، لكي يقوم بإلقاء كلمة في البرلمان البريطاني، واعتقد أن هذه كانت الزيارة الأولى لفيصل الحسيني لدولة أجنبية.. وصل مطار هيثرو وكنت أنا الوحيد في استقباله، ثم قام بجولة سياحية في أنحاء بريطانيا، ولاقت كلمته في البرلمان البريطاني ترحيبا وتصفيقا حادا من قبل أعضاء البرلمان.

الفريق المتقدم في مدريد 

محطة أخرى عشتها معه أيضا وكانت في جمعية الدراسات العربية حيث عملت فيها ببرنامج يعالج بشكل أساسي ملف القضايا المتعلقة بفلسطين من النواحي السياسية والمياه وغيرها، وكلفني حينها بترؤس الفريق الفلسطيني نيابة عن الجمعية.. ثم جاءت مفاوضات مدريد وواشنطن ومجريات العملية السلمية، تابعتُ كافة التفاصيل واطلعت على محاضر الاجتماعات مع الأمريكيين ومن ثم جاء جيمس بيكر وزير خارجية أمريكا، وبدأت التحضيرات لمؤتمر مدريد، وأذكر أنني كنت الفلسطيني الأول الذي وصل إلى مدريد، حيث ترأست حينها ما كان يسمى "الفريق المتقدم للتحضير إلى مدريد"، بالطبع كان هناك وفد فلسطيني أردني مشترك، ولم يكن الجانب الأمريكي يتعامل مع منظمة التحرير، حيث تم انتدابي لأكون حلقة الوصل والسفير المتنقل للوفد الفلسطيني، وكان ذلك بترشيح من فيصل الحسيني رحمه الله والأخ أكرم هنيه مع منظمة التحرير في تونس.

 فيصل كان رئيس الفريق الفلسطيني للمفاوضات، إلا أنه لم يكن يسمع له بالمشاركة كونه يحمل الهوية المقدسية الإسرائيلية إلى أن سمح له بالمشاركة في الجولة الثامنة، التي كانت تجري في واشنطن ومن ثم عملت مع فيصل في المفاوضات متعددة الأطراف، وكان بيت الشرق عنوان هذه المفاوضات منذ عام 1992 وحتى قبيل اندلاع انتفاضة الأقصى وبين هذا وذاك أذكر حينما كنت أعمل في جامعة بيرزيت دعوته عدة مرات لإلقاء محاضرات بالطلبة، وكان يسعد كثيرا وهو يخاطب الطلبة، ويحثهم دائماً على الازدياد في العلم ويقول: "لو أُتيحت لي الفرصة وتهيأت الظروف لواصلت مشواري الأكاديمي، وأنا أعلم أنه كان لديه شغف شديد بالعلم والمتعلمين".

منظمة التحرير هي العنوان

معظم هذه المحطات يستطيع الإنسان أن يستشف شخصية فيصل الحسيني، فقد كان خلوقا، دمثا، يحب المرح، والشيء اللطيف فيه أنه كان يمتلك رغبة شديدة في تعلم الأمور التكنولوجية.. لديـه اهتمام كبير بالكمبيوتر وكيفية عمل "الكاميرا" والصواريخ.. وأشياء أخرى كثيرة.

هذه هي المحطات الرئيسية ما بين الزيارة الأولى لبيته في شعفاط قبل خمسة وعشرين عاما، وبين الزيارة الأخيرة له قبل أربعة أيام من سفره إلى الكويت، حيث كنا في اللجنة التوجيهية لدراسة احتياجات مدينة القدس، وهي بتمويل من الاتحاد الأوروبي.

عرفت فيصل الحسني المناضل، نصير الحركة الطلابية، وعرفته في الإقامة الجبرية، وعرفته بعلاقاته الدبلوماسية، وحضرت معه عشرات الاجتماعات في بيت الشرق، وعرفته في المفاوضات ، وأسست معه "المركز الفلسطيني للمشاريع الصغيرة" والذي ما زلت نائبا للرئيس، وأسست بمباركة الرئيس ياسر عرفات وفيصل الحسيني رحمه الله المركز الفلسطيني للدراسات الإقليمية في البيرة. وباختصار كان فيصل الحسيني قادرا أن يصلي صلاة العيد ويقابل القناصل ورجال الدين المسلمين والمسيحيين المهنئين بالعيد، ويلتقي بالشباب الغيور على الوطن، ويستقبل في مكتبه كافة المراجعين، ويستمع إلى هموم تلك المرأة التي اعتدى عليها حرس الحدود بينما كانت تبيع ورق العنب في باب العامود.. هذه المساحة الواسعة من البشر والخلق كان فيصل الحسيني الإنسان البسيط يتعامل معها ويتعاطى بقضاياها وهمومها، للدفاع عن قضية كانت تتجسد في شخصيته، التي كان تغطي العديد من الأعمال.. هموم الناس من جهة.. والنضال من أجل القدس وفلسطين من جهة ثانية، والعلاقة الدبلوماسية من جهة ثالثة، وأيضا التواصل ورفع راية منظمة التحرير في فلسطين والقدس من جهة رابعة.

فيصل الحسيني تعرض لضغوط كبيرة جدا من العرب والغرب دون استثناء، لأن يكون هو في طليعة العمل الفلسطيني، لكنه كان دائما يقول: "منظمة التحرير هي عنوان الشعب الفلسطيني ومن يريد أن يتحدث مع هذا الشعب فليتوجه إلى هذا العنوان.. ومن أهم الملاحظات التي تدلل على ذلك عندما أخرج ورقة من جيبه وقدمها لجيمس بيكر مكتوب عليها عنوان منظمة التحرير في تونس، وكان ذلك خلال اللقاء الأول بينهما، الأمريكيون حاولوا جاهدين عدم التعامل مع منظمة التحرير لكن فيصل علب دورا كبيرا في تجسيد تمثل المنظمة للشعب الفلسطيني، فوجد الأمريكيون أن لا مفر من التعامل والتعاطي مع منظمة التحرير الفلسطينية بصفتها العنوان الوحيد للشعب الفلسطيني.

القاسم المشترك لكافة الفعاليات

 واستعرض الدكتور اشتية دور أبو العبد في الانتفاضة الأولى وانتفاضة الأقصى وقال: "فيصل الحسيني كان يشكل عنوانا كبيرا، والشعب الفلسطيني كان إبان الانتفاضة الأولى عام 1987 بحاجة إلى هذا العنوان، وفي الحقيقة فإن فيصل كان يشكل عنوانين: علنيا وغير علني، وبالتالي كانت هناك علاقة تربط فيصل بمختلف فعاليات الانتفاضة في الضفة الغربية وقطاع غزة.

 وفي انتفاضة الأقصى، وكونها حسب رأيي ذات بعد سلمي أصلا، فإنها تحتاج إلى مرجعية وعنوان تمثل في شخص فيصل الحسيني وجرأته، حيث شكل القاسم المشترك الأعظم لمختلف الفعاليات، سواء بالمشاركة في الانتفاضة من قوى وطنية وسياسية وفصائلية، أو مختلف شرائح الشعب المتضرر أو غير المتضرر.. فيصل الحسيني شكل حالة وامتلك القدرة على صناعة الحدث، وبالتالي كان له حضور طيب وكلمة مسموعة، لأنه حافظ على ذاته واحترم نفسه في ظروف ووقت ليس من السهل أن يحافظ الإنسان فيه على ذاته. لكنه استطاع كسب مصداقية الناس، وربطته علاقة وطيدة بالرئيس ياسر عرفات. أذكر عندما جاء فيصل إلى بريطانيا وهاتف الرئيس أبو عمار من هناك، وربما كانت هذه هي أول محادثة هاتفية بين الرجلين، وأرسل الأخ الرئيس هاني الحسن لمقابلة فيصل في لندن، والتنسيق معه لآلية العمل في الأرض المحتلة، واعتقد أن ذلك كان بدايات التنسيق السياسي والتحضير للعملية السلمية، ولكن ظل فيصل العنوان الأهم الذي يُتابع قضايا الناس ويستفيد من هذه التجربة".

التحضيرات للجنازة

 كان الدكتور محمد اشتيه أول من تلقى النبأ، وبدت عليه الصدمة، لكنه تمالك نفسه وأخذ يتصل هنا وهناك للتأكد من صحته، إلى أن طلب إجراء الترتيبات لجنازة تليق بالمناضل فيصل الحسيني، عن ذلك يقول الدكتور اشتية : "كنت أعمل بمكتبي، فاذا بنبهان خريشة يهاتفني ويسألني إن كنت قد سمعت بالخبر أم لا، اتصلت فورا بالدكتور صائب عريقات الذي سمع لكنه غير متأكد. ثم اتصلت بأكرم هنية، فإذا به هو الآخر غير متأكد إلى أن اتصلت بعبد القادر نجل الفقيد، الذي أكد لي صحة الخبر المشؤوم، بعد تأكده من عمه في عمان ومن الكويت أيضا، وهنا أود أن أشير إلى نقطة معينة وهي مدى الصلابة التي يتمتع بها عبد القادر، عندما طلب منه ومن أصدقاء المرحوم التحضير لجنازة تليق بفيصل الحسيني حيث ليس هناك مجال للحزن.. حقيقة إنني فوجئت من صلابته ومدى قدرته على تحمل صدمة كبيرة بخسارة ليس أب فقط، إنما رجل مناضل وقائد عظيم، وبالفعل اتفقنا على لقاء في بيت الشرق وتحملت أعباء التحضيرات للجنازة، ووضعنا برنامجا مناسبا، بالطبع كان بتوجيهات من الرئيس ياسر عرفات، الذي أكد على ضرورة إجراء مراسم جنائزية تليق بمكانة ورفعة الراحل فيصل الحسيني والتنسيق أيضا مع عائلته، ومضت الأمور كما خطط لها ودفن الراحل في قبر والده وجده القبر الذي كنا قد أبلغنا بأنه لا يحتمل لأنه أصبح ثلاث طبقات حيث لم يتم فتح قبر الشهيد عبد القادر الحسيني لأن قبر الشهيد لا يفتح، وبالتالي دفن المرحوم فيصل فوق قبر أبيه وليس إلى جانبه وأصبح القبر يضم ثلاثة أجيال من عائلته.. جده وأبيه وهو... رحمهـم الله جميعـاً.

عرس وطني كبير

أستطيع أقول أن جنازة فيصل الحسيني كانت استفتاء كبيرا له، حيث لم تشهد فلسطين موجة حل مثل ذلك اليوم الذي شيع فيه الجثمان، موجة حر خماسينية مع رمل أصفر اللون وعادة الرياح الخماسينية تهب على منطق الشرق الأوسط لتنذر بتغير الفصول، وبالتالي كانت إنذار ببدء فصل الصيف، وهو الفصل الذي يعم فيه الخير، حيث تثمر الفواكه وفيصل قطف في فصل الصيف، والشيء الأهم أنني في حياتي لم أر جنازة بهذا الحجم، وعلى طول الطريق من رام الله إلى القدس. ففي المسجد الأقصى وفي عز الظهيرة، كان الرجال والشيوخ والنساء والشباب والأطفال يصطفون على طول الطريق لساعات طويلة بانتظار توديع الراحل الكبير فيصل الحسيني، وشهدت القدس عرسا وطنيا فلسطينيا وتظاهرة سياسية وتأكيدا على الهوية الفلسطينية العربية لهذه المدينة المقدسة، فقد فرضت نفسها على طاولة المفاوضات، وما من شك أنها تحتاج إلى عناية واهتمام أكبر. وفيصل رحمه الله ناضل وقاتل وقضى من أجل القدس وفلسطين، وجاب العالم من أجلهما، لذلك أعتقد أن مدينة بهذا الرونق التاريخي والعالمي والإسلامي والمسيحي بحاجة إلى اهتمام أكبر، حاول فيصل جاهدا أن يخدمها، وخدمها، لكنها ما زالت تحتاج إلى اهتمامنا جميعا، من أجل أن تبقى قبلة الشعب الفلسطيني والعاصمة الحقيقية للدولة الفلسطينيــة".

رحيله خسارة للقدس

وعن مصير القدس قال الدكتور اشتية: "فيصل الحسيني خلق بيت الشرق وليس بيت الشرق هو الذي صنع فيصل الحسيني، وبالتالي استطاع أن يصنع عنوانا لمنظمة التحرير في القدس، هذا من جانب، ومن جانب آخر ما من شك أن غياب فيصل الحسيني كعنوان في القدس خاصة أنه كان دائما العنوان، حيث لا توجد منظمة التحرير، سيؤدي إلى فراغ في هذه المدينة، فقد كان بمثابة كاسحة ألغام للتحضير لطريق منظمة التحرير، وهكذا كان قبل وصول السلطة الوطنية، وبعد قيامها ركز اهتمامه على القدس، وأصبح هو العنوان الحقيقي لنا جميعا في هذه المدينة.. وغيابه سيشكل خسارة كبيرة للمؤسسة الفلسطينية وبيت الشرق، كان هو المظلة والأم التي احتضنت العديد من المؤسسات الأصغر والقاسم المشترك لكل هذه المؤسسات كان فيصل الحسيني، لذلك رحيله خسارة للقدس، ولكن اعتقد أن علينا أن نتعلم درسا من غيابه، بأن تظل المؤسسة قوية، لأنه في ظل وجود مؤسسة قوية يصبح هناك إمكانية لتعويض الخسارة، واعتقد أن رحيله خسارة لنا جميعا في العمل المؤسساتي، صعب أن يأتي شخص واحد مكان فيصل الحسيني، نحتاج إلى عدة أشخاص لتغطية مكان فيل، شخص يصلي صلاة العيد، شخص يستقبل المهنئين من قناصل ورجال دين مسلمين ومسيحيين، شخص يستقبل تلك المرأة التي اعتدى عليها أفراد حرس الحدود، بينما كانت تبيع ورق العنب في باب العامود، شخص لإصلاح ذات البين في النزاعات، شخص يتعامل مع القدس والقرى المحيطة بها بمصداقية عالية، شخص يتمتع بمصداقية أمام العالم دبلوماسيا وسياسيا، وشخص ناجح في محاورة الإسرائيليين أيضا.. فيصل الحسيني رحمه الله كانت تتجسد فيه هذه المفاصل جميعا، لذلك أقول أنه ما من شك أن رحيله خسارة كبيرة جدا".

 الكويتيون أساؤوا لفيصل

عن محطة فيصل الأخيرة وزيارته إلى الكويت يقول الدكتور محمد اشتيه: "فيصل الحسيني كان يتمتع بمصداقية عربية عالية، لذلك كان الرئيس ياسر عرفات حينما يتعثر مع بعض البوابات العربية، كان يعتمد على أبي العبد، لفتح هذه البوابات وبشكل أساسي لدى العرب. الكويت كنت قد زرتها بل ثلاثة شهور من زيارة أبي العبد، وللحقيقة أقول أن الكويتيين من أكثر من دعم الشعب الفلسطيني وقضيته لكن لديهم موقفا من منظمة التحرير والسلطة الوطنية والرسميين الفلسطينيين، وكنا جميعا نأمل أن تكون زيارة أبو العبد كسرا للجليد وتذويبه، وتكون بداية طيبة بين الشعبين الشقيقين وبين السلطة الوطنية والحكومة الكويتية، لكن للأسف الشديد فقد عوقب فيصل في الكويت، وتحمل كل ما اراد بعض الرسميين الكويتيين قوله في السنوات العشر الماضية للفلسطينيين، وصبوا كل غضبهم على فيصل، فصعق مما واجه، وهنا أذكر أن فيصل زارني قبل أربعة ايام من سفره وتحدثنا في أمور كثيرة، وأبلغني أنه سيسافر إلى الكويت، وقله له ملاحظاتي حيث زرتها قبل ثلاثة أشهر من زيارته، حيث من كان يحب الفلسطينيين قبل أزمة الكويت مع العراق ما زال يحبهم وعلى مدار الأربعين عاما الماضية، أما من كان لا يحبهم منهم فقد وجه من الأزمة مبررا ونبهته من قسوة الصحف الكويتية، وحذرته من ذلك، واعتقد أن أي فلسطيني يمكنه أن يحتمل قسوة بعض الرسميين الكويتيين، ولا تستطيع أن تتخيل الغضب الكويت على الفلسطينيين.. إنه أمر يخلف مرارة كبيرة فنحن نمر في أحلك الظروف التي نتاج فيها إلى كل عربي غيور على الأمة العربية، لكنه صعق وفوجئ مما رآه وسمعه من بعض المسؤولين في البرلمان الكويتي، واعتقد أنه لو التقى أعضاء في الحكومة الكويتية لاستطاع أن يفتح ثغرة في الجدار، إلا أن القسوة التي قوبل بها وما نتج عنها من إرهاق وتعب أدت إلى وفاته في الفندق، وصلبه على هذا الجدار، لكن هنا أقول أن ما جرى قد يكون مناسبا لأن يكفر بعض الرسميين الذين أساؤوا إلى أبي العبد عن جريمتهم، ويدفعوا باتجاه فتح البوابة بين فلسطين والكويت، من أجل هذا القائد الفارس الذي ذهب إلى الكويت للدفاع عن فلسطين والقدس، وليطلع الأخوة الكويتيين على هذا الحال الذي وصل إليه الشعب الفلسطيني، واعتقد أن فيصل يستحق أن يكون رمزا لعودة العلاقة الكويتية – الفلسطينية، ورمزا لعودة اللحمة الكويتية – الفلسطينية، آمل أن تكون الذكرى الأربعين لرحيل القائد فيصل الحسيني مناسبة لأن تكون الرسالة واضحة إلى أهلنا وإخوتنا في الكويت شعبا وحكومة وأميرا... وأضاف الدكتور محمد اشتية بهذا الصدد: "ما من شك أنه كان هناك بعض اللين في موقف الحكومة الكويتية، فالكويت كما قلت قدمت الكثير وما زالت للشعب الفلسطيني، حتى في ظل الأزمة الحالية، وكان هناك لقاء على هامش مؤتمر قمة عمان بين وزير خارجية الكويت ونبيل شعث، وبالتالي أعتقد أن الجليد أخذ يذوب بعض الشيء، وكنا نأمل أن تكون زيارة فيصل الحسيني بداية صفحة جديدة في العلاقة الفلسطينية الكويتية، فقد حاول فيصل أن يمهد لمصالحة فلسطينية – كويتية، وإذا ما تمت المصالحة، سيكون هناك بالتأكيد لقاء قمة فلسطينية – كويتية بين الرئيس ياسر عرفات والأمير جابر الصباح، وأمل أن تكون هناك صحوة في ضمير كل من أساء إلى فيصل، ويتم فتح صفحة جديدة في العلاقة الفلسطينية – الكويتيــة.

عن مجلة "عبير"