جاري تحميل الموقع . يرجى الانتظار
رثاء 10 أكتوبر 2015

 الدكتور مجد كمال كنج

أبو العبد شعلة مضيئة في الليل العربي الدامس

نص الكلمة التي ألقاها الدكتور مجد كمال كنج نيابة عن جماهير الجولان العربي السوري خلال مراسم تشييع الراحل الكبير فيصل الحسيني

من الجولان العربي السوري، من جبل الشيخ الأشم الذي لم ينحن يوما أمام محتل دخيل ولم يتراجع أمام مستعمر غاصب، من ترابه الذي جبل عبر تاريخه الطويل بدماء الشهداء.. جئناكم مشاركين يا أهلنا في فلسطين الأبية في هذا المصاب الجلل، المتمثل بترجل فارس القدس ومغوارها، ليذكرها بهذه الدوحة اليعربية الأصيلة من المناضلين الذين لا يشق لهم غبار، فليس بعيدا من هنا قضى المناضل الشهيد عبد القادر الحسيني بطل معركة القسطل وهو يـذود ويدافع عن قدس العروبة. وها هو اليوم شبله يترجل في نفس الظروف وأمام نفس العدو.

أيها الأهل.. يقف المرء في بعض الأحيان عاجزا عن التعبير عما يختلج، في صدره من مشاعر، خصوصا إذا كان الأمر يرتبط برحيل وفقدان رجالات هذا الوطن الذين تركوا بصمه لا تمحى في تاريخ شعوبهم وأمتهم. واليوم يترجل أحد هؤلاء، فارس عربي الملامح، مقدسي المنبت، تاركا في قلوبنا غصة وفي عيوننا دمعة، لقد ترجل هذا الفارس وشعبه وأمته بأمس الحاجة إلى أمثاله، فقد جمع في شخصه مرونة السياسي وحزم المناضل، دماثة الخلق وصلابة الرجال، تواضع المتمكن ورفعة النفس، صدق اللسان ونقاوة الكف والجنان، حارب أعداءه بعزيمة الرجل المؤمن بحقه وعدالة قضيته، وحاورهم بشجاعة المتمسك بالثوابت الوطنية، آمن أن القدس عاصمة الدولة الفلسطينية، فرابط فيها وحولها لمركز نشاطه، تعالى فوق الخلافات وتجاوز الصغائر وجسد وحدة النضال الميداني فكرة وترجمها لفعل وحدث، فكسب حب واحترام القاصي والداني له، رفع شعار التحرير ومارسه قولا وفعلا حتى آخر لحظة من حياته، فشارك شعبه نضالاته في البيت والشارع والمؤسسة، وقف إلى جانب المحتاجين والمستضعفين في وقت الشدة، واختصر بشخصه قضية الشعب الفلسطيني المجاهد الذي لا يقبل إلا بالقدس عاصمة لدولة العتيدة. ونحن أيها الأخوة أبناء الجولان العربي السوري المحتل ربطتنا بالفقيد علاقة خاصة، فزرناه هنا في بيت الشرق مرات، وزارنا هو هناك في الجولان مرارا.

آمن وآمنا معه أن الرابط القومي ليس شعارا يرفع وإنما ممارسة تجسدت على الأرض، لترسم ملامح وعمق العلاقة بيننا في وجه نفس المحتل الغاصب. هكذا يجب أن تكون العلاقة بين سوريا وفلسطين، كما هي بين أبناء الجولان السوريين وأبناء فلسطين.

رحلت أيها القائد قبل أن ترى حلمك يتحقق بإقامة الدولة الفلسطينية، رحلت وشعبك البطل يقدم الشهيد تلو الشهيد، على مذبح الحرية، أملا ببزوغ فجر التحرير، فوالله لا يعزينا إلا أن نرى رؤيتك القومية والوطنية قد تحققت على أرض الواقع، عندما تصبح القدس عاصمة أبدية لدولة فلسطين العتيدة.. عندما يندحر المحتل الغاصب وترفرف راية العروبة عاليـة خفاقة فوق روابي فلسطين.. عندما تحقق الانتفاضة البطلة غايتها ويعود الحق لأصحابه الشرعيين.

فنم قرير العين أيها الشهيد الراحل في حضن الأقصى الشريف، بجوار من سبقوك من الشهداء، فأجيال الغضب في فلسطين أقسمت أن تنتزع حقها من أنياب المغتصبين مهما عزت التضحيات، وسيذكرك كل أحرار العرب مناضلا عنيدا، وستبقى لنا جميعاً القدوة والنبراس والشعلة التي تضيء لنا الطريق في هذا الليل العربي الدامس.

رحمك الله يا فقيدنا الغالي وأسكنك فسيح جناته وألهمنا جمعيا الصبر والسلوان.

وإنا لله وإنا إليه راجعون.

عن مجلة "عبيــر"