جاري تحميل الموقع . يرجى الانتظار
رثاء 09 سبتمبر 2019

جاك خزمو

 القدس تناديكم

 يقول كثيرون أن "القدس في القلب"، وهي "قرة العيون"، وهي القلب النابض لقضيتنا العادلة، ولا حل عادل إلا بعودة القدس إلى أصحابها الشرعيين... وهناك مصطلحات وتعابير جميلة كثيرة تعبر عن محبة قائليها لمدينة القدس... ولكن هل هذه الأقوال الجميلة، والتعابير الرنانة تنقذ القدس من حالة الضياع التي تعيشها... أو هل تستطيع أن تغير وتبدل من الوضع الكئيب الذي تعيشه هذه الأيام...

القدس تحتاج إلى دعم حقيقي، وإلى فعل صادق ومخلص وجاد... وليست بحاجة إلى كلمات وبيانات ومصطلحات وتعابير رنانة وطنانة... القدس بحاجة إلى مساعدة حقيقية وواقعية.. لأنها تضيع.. وأن قصرنا أكثر من ذلك فإن البكاء على القدس لن يجدي نفعاً...

قبل أيام عاشت القدس لحظات كئيبة حزينة عندما استطاع مؤجر، وعبر القانون الإسرائيلي، أن يخلي ثلاث محلات بالقوة وبحراسة رجال الشرطة والأمن الإسرائيليين.. الخلاف المزمن بين أصحاب الشأن من مؤجرين ومستأجرين ووسطاء لم يحل... ولم تستطع الشخصيات المسؤولة عن القدس فعل أي شيء حتى أنها غابت عن الأنظار لحظة الإخلاء... ولحظة الضيق والكآبة... وخلال عملية الإخلاء لم نجد فيصل الحسيني (رحمه الله) متواجداً، فافتقدناه، إذ أنه لو كان حيا لما سمح بأن تصل الأمور إلى هذا الحد... وما زالت هذه القضية تتفاعل... وقد تلحق بها قضايا إخلاء أخرى في وسط شوارع القدس العربية...

وهل يستطيع مواطن أن يسير آمناً في مدينة القدس ليلاً؟ وهل تستطيع فتاة أن تسير لوحدها في شوارع القـدس العربية مـن دون ملاحقة أو مضايقة أو "تسميع كلام" جارح وقذر وسوقي...

هل هذه هي القدس التي ولدنا فيها وتربينا في مدارسها.. وهل هذه هي الأخلاق العربية الأصيلة؟ وهل يجوز أن نتفرج على ما تعانيه القدس، ونرسل إلى أهلها رسائل شوق وبيانات تعاطف وتأييد..

إننا نحن أنفسنا نشارك في تهويد مدينة القدس عن غير قصد ومن دون وعي.. نعم إننا نتحمل مسؤولية تهويد المدينة عبر عدة وسائل وأهمهـا:

  1. اللجوء إلى المحاكم الإسرائيلية في حل أي خلاف أو نزاع اجتماعي أو عقاري أو... لأننا لن نجد الجهة الموثوقة الأمينة القادرة على حل النزاع، أي نزاع وديا وبصورة عادلة ومتزنة... واللجوء إلى المحاكم الإسرائيلية يأتي أحيانا لأننا لا نناصر الحق.. بل نناصر من يملك القوة ولو كان على باطل..
  2. نقل معظم مؤسساتنا الوطنية للعمل إلى خارج حدود مدينة القدس... فكانت القدس عاصمة كل التحركات السياسية والاجتماعية، وأصبحت اليوم عاصمة الأشباح... حتى أنه لم يبق من دور الإعلام فيها سوى العدد القليل بعد أن كانت مقار جميع وسائل الأعلام الفلسطينية.
  3. مؤسساتنا المحلية تنهار يوما بعد يوم إذ أنها تواجه عجزاً كبيراًُ و   ضخماً... والمساعدات المقدمة لها شحيحة جدا، ولها شروط تعجيزية... فالقدس التي كانت تضم جميع الصروح الوطنية أصبحت خالية من معظمها ولم يبق بها سوى القليل القليل من هذه الصروح المهددة بالإغلاق أيضاً.
  4. ليس هناك دعم لنشاطات وفعاليات في القدس وبالشكل الكافي والمطلوب، مقارنة مع ما تصرفه الحكومة الإسرائيلية على هذه المدينة...
  5. حتى أن غالبية وسائل التعليم والصحة أصبحت بيد إسرائيل.. وانتقل عشرات الآلاف من الطلبة إلى المدارس الرسمية، وكذلك تعمل معظم المؤسسات التعليمية والصحية ضمن الأنظمة والقوانين الإسرائيلية وبإشراف دوائر وزارية إسرائيلية عديدة.

قد يقول قائل أن أهم ما في الأمر في القدس انتماء أهلها إلى عروبتهم، وتمسكهم بانتمائهم الأصيل... ونحن نوافق على ذلك.. ولكن الكثيرين، وللأسف ونتيجة للضغوطات الكثيرة يجبرون على تفضيل مصالحهم على انتمائهم، ويتغاضون عن مشاعرهم وأحاسيسهم الوطنية... لذلك لا بدّ من العمل وبصورة جادة من أجل إنقاذ القدس من التهويد، ومن حالة الإحباط التي يعيشها أهلها..

القدس تكون عربية إذا كان أهلها وأبناؤها يعتزون بعروبتهم، ويفتخرون بالانتماء إليها.

وتبقى القدس عربية إذا حافظنا على مؤسساتها العربية وتغلبنا على كل الصعاب..

المطلوب هو العمل الجاد المخلص في إحياء العروبة من جديد في عروق أبنائها.. وفي رفع درجات ومستويات الوعي لدى كل مواطن.. وأن يكون المسؤولون عن ملفها نشيطين يعملون من أجل القدس أولا وأخيراً وليس لهدف آخـر...

إن القدس تناديكم وتدعوكم إلى العمل من أجل إنقاذها... فلا تخيبوا آمالها فيكم... ولا تتركوها وحدها في الميدان تدافع عن ذاتها أمام هجمة شرسة كبيرة إذ أن المعركة لن تحسم لصالحها إذا لم تجد مساندة لها... وتقول لكم القدس: اعملوا أولا وأخيراً على توحيد أهلها وحافظوا على عروبتها من خلال الحفاظ على استمرار بقاء وتواجد مؤسساتها، ولا تهملوها... ولا تنسوها... ولا تتقاعسوا في القيام بواجباتكم نحوهــا...