جاري تحميل الموقع . يرجى الانتظار

لقاء فيصل الحسيني في فرنسا

معهد الدراسات السياسية/ جنوب غرب فرنسا

2001

 

سؤال:  نريد أن نعرف جنسية جواز سفرك؟

فيصل الحسيني:  كوني من مدينة القدس، إسرائيل ترفض بأن أحمل جواز سفر فلسطيني وما أحمله الآن جواز سفر أردني، ولسيه باسيه إسرائيلية وأغادر إسرائيل بلسيه بسيه، واستخدم الجواز السفر الأردني في الخارج، ولكن كل نقطة في دمي وكل غرام في لحمي هو فلسطيني.

سؤال:  ما هو الدور الذي لعبته عائلة الحسيني في التزامك من أجل القدس؟ كونك تنتمي إلى هذه العائلة العريقة؟

فيصل الحسيني:  عائلة الحسيني هي عائلة قديمة، أوراقها الرسمية وأقرب ورقة رسمية لها تعود إلى 800 عام، هي لعبت دورا اجتماعيا واقتصاديا وسياسياً. وكعائلات القرون الماضية هي عائلة من ملاك الأراضي، وبالتالي كان لها دور واسع في مرحلة كانت فيها الأمور تحصل بهذا الشكل، بعد الحرب العالمية الأولى تغيرت الصورة، وبدأت قوى الرأسمالية تتعارض في فلسطين، ولكن تاريخ عائلة الحسيني وأشخاصها أعطتهم الإمكانية في أن يستمروا في القيادة حتى ضمن تغير الأوضاع الاقتصادية، وربما أن الخطر الذي كان يواجه فلسطين وهو خطر الاستعمار البريطاني، وخطر الاستيطان اليهودي، أدى إلى توحد القيادات الرأسمالية والاقطاعية فيما بينها، وقوى العمال والفلاحين، وبالتالي حتى التقسيمات الداخلية في فلسطين كنت ترى فيها أن القوى الرأسمالية في خطوط ليست بعيدة عن قوى العمالية، والفلاحين لم يكونوا بعيدين عن ملاك الأراضي، نتيجة الأخطار الخارجية، طبعا بعد عام 1948 انتهت كل هذه الصيغ، خاصة أن الحرب أدت ليس فقط أن الفلسطينيين فقدوا أراضيهم وأصبحوا لاجئين، ولكن لأن الهرم الاجتماعي الفلسطيني إنهار بعد انهيار الهرم الاقتصادي الفلسطيني، وبالتالي دور العائلات انتهى في فلسطين، وتبقى الانتماءات العائلية جزء من التاريخ، وبالتالي القيادات الفلسطينية الحالية ليست نتاج عائلات، وإن كان البعض منهم هم من أبناء العائلات.

 

 

سؤال:  في نطاق التزامك من أجل القضية الفلسطينية في سنة 1967، أُوقفت بسبب امتلاكك سلاحاً، كان ياسر عرفات قد أهداك إياه، التزامك هذا دفعك إلى حمل السلاح والمشاركة في المعركة العسكريـة؟

فيصل الحسيني:  في عام 1967 وبعد انتهاء الحرب أنا غادرت موقعي في جيش التحرير الفلسطيني حيث كنت ضابطا في جيش التحرير الفلسطيني، وكنت في دورة عسكرية في سوريا لدراسة الهندسة العسكرية، مع سقوط القدس قررت أن أترك الجيش لأعود إلى مدينتي وأعيش بين أهلي، وهذا ما حصل عدت إلى فلسطين، وهناك التقيت مع ياسر عرفات، وبعد مناقشة قررنا بأن علينا أن نتبع سياسة معينة مع إسرائيل، وهو أن نبني تنظيما سياسيا يطالب بالحقوق الفلسطينية، دون استخدام السلاح أو العنف،  ولكن في نفس الوقت إعداد قوى فلسطينية عسكرية، تقوم باستخدام الوسائل العسكرية إن قامت اسرائيل بقمع التنظيم السياسي، وبالتالي حصلت على قطعتي سلاح من ياسر عرفات،  لأقوم بتدريب هذا الجناح العسكري،  شريطة بأن لا يقوم بأية عمليات إلا إذا قامت إسرائيل بقمع العمل السياسي، لكن اعتقلت في فترة مبكرة حتى قبل تنفيذ كل هذه الأشياء.

سؤال:  بعيداً عن القضايا الجيوبوليتكية والاقتصادية، أنت كفيصل الحسيني، ماذا تشعر عندما تواجه إسرائيلياً أمامـك؟

فيصل الحسيني:  قبل عام 1967 كنت أنا موجود في مصر لأنني كنت ممنوعا من العودة إلى فلسطين، لأن والدي الذي كان يقاتل الانتداب البريطاني اضطر تحت ضغط الإنتداب أن يغادر إلى العراق حيث ولدت ومنها إلى السعودية ثم إلى مصر، والذي عاد إلى فلسطين عام 1947 وقاد المقاومة الفلسطينية والدفاع عن مدينة القدس واستشهد في معركة على مداخل القدس عام 1948، نحن بقينا في مصر. الاسرائيلي بالنسبة لي كان دائما هو الجندي المعتدي القاتل المغتصب،  كنت أراه من خلال الدبابة الذي يقودها أو من خلال الطائرة التي كان يقذف منها الصواريخ. في العام 1967 قررت العودة إلى فلسطين،  ونجحت في الوصول إلى القدس، لأول مرة قررت أن أذهب وأتجول في شوارع القدس الغربية، كان ذلك أول يوم يكون لي اتصال مباشر مع الإسرائيليين كشعب، ومررت في الشارع وشاهدت إسرائيليين. شاهدت منهم من هو قوي، ومن هو ضعيف، من هو شاب، ومن هو كهل، ومن هو شكله ذكي جدا ومن هو غبي. وجدت في بعض الأطفال وأنا أنظر إليهم شبه في بعض الأطفال الذين أعرفها، ولكن الصورة التي أثرت في وبدأت بنوع من التفكير الجديد  هو في أحد الميادين في حديقة صغيرة،  كان يجلس هناك رجل وإمرأة وكان سني أيامها كنت في السابعة والعشرين من العمر نظرت اليهم واعتقدت أنهم عمرهم تقريبا 80 عاما، الان أنا عمري 60 عاما، لربما كانوا هم 60 عاماً ولكن كنت أنا اخمن،  عندما كان عمري 27 سنة كنت أنظر لمن هو عمره 60 سنة كأنه في آخر عمره، أنا عمري 60 سنة وأنا أرى من عمره 80 عاما هو شابا، المهم هو أن الكهلين كانوا يمسكوا بأيدي بعض، بشكل مؤثر وسألت نفسي هل يمكن أن يكون هذا العدو الذي أريد أن اقاتله، قد يكون هذا هو الشخص نفسه كان يقود في المعركة الذي قتل فيها والدي وقد يكون هو الذي قتل والدي، ولكن الآن هل أراه أنا عدو؟؟ هي كانت لحظة إنتقالي من التعميم ورؤية أن كل الإسرائيليين أعداء ولكن القضية هي بيني وبينهم هي قضية وطنية، ولكنها ليست قضية شخصية، لهذا السبب الآن في لقاءاتي مع إسرائيليين سياستي اتجاههم هي مواقفهم السياسية، إنتمائهم العرقي.

سؤال:  أنت متعلق جدا في القدس ولقد دفعك هذا التعلق إلى أن ترفض الاشتراك في الانتخابات والدخول إلـى السلطـة، هـل هذا الخيار يعـود إلـى أسباب عاطفية خاصة دينية، أم هو خيار سياسي؟

فيصل الحسيني:  بداية أشكرك على هذا التعليق،  وأريد أن أصصح ما ورد في السابق من أنني وزير في السلطة الفلسطينية أنا عضو في منظمة التحرير الفلسطينية، ورفضت أن أكون وزيرا حتى استمر في البقاء في القدس، ارتباطي بالقدس هو ارتباط متكامل هو ارتباط شخصي عائلي وطني ديني سياسي، هو ليس إنتماء لاي مدينة أخرى، لأن القدس هي ليست كأي مدينة أخرى، فهي المدينة التي استقر الرأي بالقيادات المختلفة على أنها نقطة الاتصال مع السماء، وبالتالي لها مثل هذا الإحساس الروحي سواء بالنسبة للمسلمين أو المسيحيين،  تسير في شوارعها، تجد كل حجر وكأنه يتكلم لك عن تاريخ، يتخطى الإقليم إلى العالم كله، هناك تشتم رائحة البابليين والفراعنة والرومان، تشعر بأن هذه الحجارة مرتبطة بهذا التاريخ كله وتشعر بأنك تكاد أن تكون جزء منها،  البعض يقول بأن قيمة هذا الحجر إلى هذه الدرجة له معنى عميق فلسطينياً، إن هذا التمسك بالحجر أدى إلى أن يتمسك به حتى في دفاعه عن وطنه.

سؤال:  ما هو الدور الذي لعبته في انطلاق محادثات مدريد سنة 1991؟

فيصل الحسيني:  أنا دوري بدأ بالنسبة لعملية السلام  قبل مدريد، قبل 1991،  في الذات بدأت الدور الدولي بأن كلفت بقيادة المفاوضات مع جيمس بيكر الموفد الأمريكي، وهذه المفاوضات مع جيمس بيكر التي أدت إلى مؤتمر مدريد، سافرت إلى مدريد بصفتي رئيس فريق الفلسطيني إلى المفاوضات، ولكن إسرائيل اعترضت ولم تسمح لي بأن أكون أنا رئيس الوفد الفلسطيني، واستغرق الأمر أكثر من سنة، أو سنتين تقريبا إلى حين اعترفت اسرائيل بأنني ليس فقط رئيس الوفد بل رئيس الوفد الموجود في واشنطن، طبعا كان اعتراضها لأنني إبن القدس، وهي تعتبرني أجنبي موجود في القدس وهذه مأساة فأنا من عائلة عمرها 800 سنة في القدس، جدي كان رئيس بلدية القدس، شقيقه كان رئيس بلدية القدس، ووالده أيضا انتخب كرئيس لبلدية القدس، وإسرائيل تعتبرني أجنبي أعيش في القدس، وتعتبرني أقلية أي إما قادم من روسيا أو من أوروبا يستطيع في اليوم التالي من حضوره إلى إسرائيل أن يصبح مواطناً، هذا الإحساس أن تكون غريبا في مدينتك، يمكن أن يفسر لكم الغضب في داخل الشعب الفلسطيني على ما يجري.

سؤال:  حالياً، في إطار مفاوضات السلام والعلاقات الدولية، ما هو الدور الذي يلعبـه بيت الشرق والذي تريـده؟

فيصل الحسيني:  بيت الشرق بدأ نشاطه حتى قبل 1990، وهو بدأ نشاطاته في بداية الثمانينييات وشكل نقطة اهتمام خاصة، من جهة الدفاع عن الحقوق الفلسطينية، ونقطة اتصال وحوار مع الإسرائيليين، وعنوان لمن يأتي من الخارج للاطلاع على الوضع في فلسطين، هذا الدور الذي دفع الحكومة الاسرائيلية إلى اغلاقه في عام 1987، واستمر مغلقا لمدة أربع سنوات ولكن فعاليات بيت الشرق حتى خارج بناية بيت الشرق، هذا الدور وهو كما قلت الدفاع عن الحقوق الفلسطينية والحوار مع الإسرائيليين أعطى مكانة كبيرة لبيت الشرق حتى بين الأوساط الإسرائيلية، تم التعبير عن هذا الأمر يوم انعقاد مؤتمر مدريد، عندما تجمع هناك فلسطينيون وإسرائيليون أجانب أوروبيين وأمريكيين في بيت الشرق، واحتفلوا سوياً برفع العلم الفلسطيني على بناية بيت الشرق، كتعبير عن رغبة في السلام، التلفزيون الإسرائيلي في تلك الفترة نقل الأحداث من خلال أنه قسم الشاشة إلى قسمين، عفوا ليس في مدريد ولكن في أوسلو، حيث كان في الشاشة على جانب الاحتفال توقيع الاتفاقية في البيت الأبيض، وفي الجانب الآخر من الشاشة الاحتفال في بيت الشرق.

سؤال:  تنتقد أحياناً السلطة الفلسطينية، هل تستطيع أن تقول لنا ما هي علاقتك معها، وعلى ماذا لـم تتفقـوا؟

فيصل الحسيني:  السؤال الأول ما المقصود منه؟  لو سألت هذا السؤال لأنه لا يوجد انتقادات في هذا المعنى للسلطة الفلسطينية، ولكن كأي وفي أي مكان آخر وفي أي دولة أخرى في أي حزب، يحق لعضو الحزب أو لعضو الحكومة أو عضو الوزراء أحيانا أن يبلي اجتهادا مختلفا، دون الأضرار بهذا الانتماء وهذا الدعم، لأن الله عندما خلقنا لم يخلقنا في قوالب، جعل عندنا بعض التغيرات وبالتالي من حقنا أن نتحدث أحياناً بشكل مختلف ومن واجبنا ومن حقنا أن نتقبل أن نتحدث بشكل مختلف، لو أننا خلقنا بشكل قوالب فالحياة لن تكون جميلة كما هي الآن.

سؤال:  ما هو تصورك بالنسبة للقدس، مدينة مقسمة بين الدولة الفلسطينية والدولة الإسرائيلية، أم مدينة موحدة تحت حكم دولـي؟

فيصل الحسيني:  أولا: أريد أن أتشكر وأعتذر أنني عطلتكم قليلا، فيما يتعلق بموضوع القدس، ولو أنه متعلق بموضوع القدس، عندما تم توقيع اتفاقية أوسلو أصرت إسرائيل أن السلطة الفلسطينية توجد فقط في الأماكن التي تم الاتفاق على البدء بها، وحيث أن القدس كانت مؤجلة إلى المرحلة النهائية، وبالتالي اعتبرتها إسرائيل خارج نطاق السلطة الفلسطينية، ولهذا السبب لو أني قبلت أن أكون وزيرا لكنت مجبورا أن أنقل مكاتبي من القدس إلى خارج القدس، ولذلك رفضت لقب وزير وأبقيت مكاتبي في القدس فقط حتى يكون واضحا فيما يتعلق بالقدس: أي حل لمدينة القدس يجب أن يأخذ في الاعتبار خمسة عناصر: العنصر الفلسطيني العنصر الإسرائيلي، اليهودي، المسيحي، والإسلامي، دون أخذ هذه العناصر في أي حل للقدس لن نصل إلى سلام مع إسرائيل، وبالتالي نحن نرى أن حل القدس يجب أن يكون قائما على أساس مدينة مفتوحة، فيها حرية التنقل، وبالتالي من خلال وجود العاصمتين نرضي المطالب الفلسطينية والإسرائيلية، عاصمة إسرائيلية في الغرب والعاصمة الفلسطينية في الشرق، إعطاء الديانات الثلاث حرية إدارة أماكن عبادتهم، وحرية الوصول إليها وإلى طرفي المدينة، نكون قد أرضينا أيضا الديانات الثلاث، من هنا نرى بالفعل عاصمتين في مدينة مفتوحة هذا هو الحل، ونحن نعتقد أن الاهتمام العالمي بالقدس، العلاقات الإسرائيلية بدول كثيرة في العالم، العلاقات الفلسطينية في أجزاء أخرى من هذا العالم، نستطيع سويا أن نجعل من القدس نقطة ليس فقط عاصمة هامة في الشرق الأوسط، ربما أيضا عاصمة واحدة من أهم عواصم العالم. أنا أتخيل القدس بهذه الحالة سيكون فيها كثير من المؤسسات المالية والاقتصادية ومراكز الأبحاث ومراكز دراسات دينية مقارنة، ستكون مدينة جميلة، ولكن العيب الوحيد فيها ستكون مدينة مكلفة جداً الحياة فيها.

سؤال:  وضع الأماكن المقدسة تحت سلطة دينية موحدة، ما هي برأيك فكرة سطحية؟

فيصل الحسيني: اعتقد بأن كل سلطة دينية تدير أماكنها المقدسة، مع نوع من التنسيق بين هذه السلطات الثلاثة، لأن لنا عقائد في تفاصليها المختلفة، وبالتالي علينا ان نحترم عقائد بعضنا البعض، حتى ولو لم نكن مقتنعين بها، حتى نحافظ عليها يجب أن يكون هذا الاتصال الدائم، وبالتالي في هذه القضايا الدينية أعتقد بأن يكون تنسيق وليس أكثر من ذلك لأن أكثر من ذلك ستحول الوضع من دولة علمانية إلى دول تحكمها ديانات أكثر واعتقد أن هذا ليس هو الموضوع، اعتقد بضرورة أن تحترم الدول العلمانية الديانات ولكن لا اعتقد بأن على الديانات أن تسيطر على الدول العلمانية.

 

سؤال:  كيف تفسر عامل رجوع الفلسطينيين إلى القدس الشرقية وفي نفس الوقت عامل تهويد هـذه المدينة؟

فيصل الحسيني:  نعم إسرائيل حاولت منذ عام 1967 أن تغير واقع مدينة القدس وتحولها من مدينة فلسطينية إلى مدينة إسرائيلية وفي بعض الأحيان كان هناك اتجاه من تحويلها من مدينة مسيحية إلى مدينة يهودية، لكن مع وجود المؤسسات الفلسطينية كانت إسلامية أو مسيحية، تم المحافظة على مدينة القدس الشرقية وتم المحافظة على وجهها الفلسطيني العربي الاسلامي مع العلم أنه أيضا كان هناك يهودا علمانيين ويهودا متدينيين مثل تيدي كارتر، كانوا يدعموا موضوع القدس، هذا أدى إلى المحافظة على إفشال عملية التهويد، ولو أنني أفضل أنهم أفشلوا عملية الأسرلة. الآن امنطقة القدس التي قررت اسرائيل ان تمضها إليها يوجد فيها أكثر من 32 ألف فلسطيني وهذا يعني ثلث مدينة القدس كاملة، وهذا دفع الاسرائيليين إلى أن يعيدوا النظر في قضية ضم القدس كلها إلى إسرائيل. لا اعتقد أن هناك دولة في العالم تريد أن تكون أكثر سكانها من جنسية أخرى، وبالتالي القاعدة التي تقول بأن القدس الشرقية هي العاصمة الفلسطينية هي قاعدة عملية وقائمة وممكنة جداً، على سبيل المثال البلدة القديمة في القدس تضم في داخلها أكثر من 30 ألف فلسطيني، مقابل ثلاثة آلاف إسرائيلي.

سؤال:  هل ساعد عامل التهويد هذا على توحيد وتضامن الطوائف المسيحية والإسلامية؟

فيصل الحسيني:  في فلسطين دائما لم يكن هناك مشكلة ما بين الأديان، وأنا طفل صغير الطبيبة التي كانت تعالجنا كأطفال- وأنا عشت في فلسطين سنتين وأنا طفل- كانت دكتورة كاثيا وهي يهودية، وهي إبنة مختار حارة اليهود، وكان جدي قد ساعد والدها في تعليمها، موشيه شاريت، أو موسى شكرتوك كما كان إسمه في السابق أو رئيس وزراء إسرائيلي، عاش في قرية تمتلكها عائلتي إسمها عين سينيا تمتلكها عائلتي بالقرب من رام الله، وبالتالي العلاقات كانت ما بين المسلمين والمسيحيين واليهود علاقات طبيعية جدا ونعيش كأي شعب آخر بعدة ديانات. العلاقات بدأت تتغير بعد مؤتمر بازل في روسيا، وبشكل أكثر حدة بعد وعد بلفور، وبالتالي أصبح هذا العراك الفلسطيني الإسرائيلي أو الفلسطيني الصهيوني من الجانب الصهيوني اليهود، ومن الجانب الفلسطيني المسلمين والمسيحيين، العلاقات الإسلامية المسيحية بقيت علاقات جيدة جداً. المسيحيين برغم من قلة عددهم وإلا أنهم لعبوا دورا متميزا في الحياة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، أقول أن لدينا ثلاثة أحزاب علمانية كبيرة، هي الجبهة الشعبية والجبهة الديمقراطية وفتح، الجبهة الشعبية يقودها مسيحي وهو جورج حبش، الجبهة الديمقراطية يقودها مسيحي هو نايف حواتمة، وفتح يقودها مسلم وهو ياسر عرفات ومتزوج من مسيحية.

 

سؤال:  بخصوص الفلسطينيين الذين يحملون جنسية إسرائيلية ما هو دورهم في الانتخابات؟

فيصل الحسيني:  الفلسطينيين حاملي الجنسية الإسرائلية هم جزء من الشعب الفلسطيني، وهم يدعموا الشعب الفلسطيني في إقامة دولة مستقلة لهم، ولكنهم في نضالهم الخاص يريدون الوصول إلى المساواة مع اليهود في داخل الدولة اليهودية، وبالتالي هم يدعموا إقامة دولتين دولة فلسطينية ودولة إسرائيلية، وهم جزء من الدولة الإسرائيلية ولكن شرط أن يكون هناك مساواة بينهم وبين اليهود، هم يشكلوا الآن حوالي خمس الأصوات في الإنتخابات وبالتالي تأثيرهم في السياسية هو تأثير من الصعب تجاهله، وربما كانت أحد أخطاء باراك وسبب ذلك في إضعاف حكومته ولأنه كان يتجاهل الأعضاء العرب داخل البرلمان الإسرائيلي. نحن نقول أن باراك حاول أن يبني حكومة إسرائيلية من 61 عضوا ولكن ليس من أصل 120 عضواً، ولكن من أصل 110 أعضاء، وهذا جعله أسيرا للقوى المتطرفة في إسرائيل.

سؤال:  هل تستطيع أن تخبرنا ما جرى في يوم 28 أيلول الماضي؟ لأنه حسب المعلومات التي بحوزتنا كنت موجوداً داخل الحرم الشريف؟

فيصل الحسيني:  أنا كنت يوم 27/9 صديقي ناصر الذي يقف هناك هو كان موجود يوم 28 .الأزمة في الحقيقة بدأت يوم 27 وليس يوم 28 عندما قرر شارون أن يأتي إلى المسجد الأقصى وهو يرفع شعار ليثبت سيادة إسرائيل على المسجد الأقصى. نحن حاولنا أن نقنع الإسرائيليين بإلغاء هذه الزيارة لان نتائجها ستكون وخيمة، لأن هذه الزيارة ليست زيارة عادية، فهو شخص غير عادي يزور مكان غير عادي في وقت غير عادي. وقلنا لهم بأن مثل هذه الزيارة ستكون كمن يفتح صندوق بندوره Pandora’s box))، ولا تعرف بعد ذلك ما هي هذه الشرور التي ستخرج من هذا الصندوق. للأسف لم يستمعوا إلينا توجهنا أمام المسجد الأقصى في ذلك اليوم قصدنا ألا يكون هناك عدد كبير، حاولنا من خلال هذه المجموعة أن نقف باب المسجد ونمنع شارون من الدخول، لكنهم أتوا بحراسة حوالي ثلاثة آلاف شرطي، ودخلوا المسجد بالقوة حاصرونا ومنعنونا من التحرك، وقام بتنفيذ زيارته بالقوة. هم أيضا أغلقوا أبواب المسجد ومنعوا المصلين من الدخول هذا الأمر حرك الغضب داخل الفلسطينيين، بعد خروج شارون مباشرة حصل اشتباك مع الشرطة واستاءت الشرطة من هذا الاشتباك. اليوم الثاني كان يوم جمعة والمسجد مليء بالمصلين، الاسرائيليين حركوا قوات الشرطة بشكل مستفز، مما دفع بعض الشباب - لما حدث في اليوم السابق- أن يلقوا الحجارة على الشرطة، فكان رد الشرطة المباشر هو إطلاق النار فوراً مما أدى إلى مقتل خمسة فلسطينيين داخل المسجد، واحتلال المسجد بقوات ضخمة وإطلاق الرصاص والغاز المسيل للدموع، كان تصرف غير عقلاني على الإطلاق. نحن نعرف أن أحيانا بعض الشباب المتحمس يلقوا الحجارة ولكنا كنا قادرين على منعهم، لكن هذه المرة الشرطة لم تعطي المصلين الكبار أن يسيطروا على الوضع. هذا المشهد القتل واطلاق الرصاص واحتلال المسجد مرة أخرى أثار حفيظة المصلين، ومرة أخرى للأسف الإسرائيليين ردوا مباشرة بإطلاق الرصاص مما أدى إلى إسقاط قتلى جدد، وفي اليوم التالي كانت جنازات لهؤلاء القتلى، المتظاهرين الغاضبين اشتبكوا مرة أخرى مع الإسرائيليين والجيش أطلق الرصاص وقتل جدد وبالتالي أصبح كل يوم أصبح هناك تغذية جديدة للجنازات من خلال قتلهم للأسف ما زالت قائمة حتى هذه اللحظة. قلنا للإسرائيليين أعطونا إجازة ثلاثة أو أربعة أيام بدون جنازات حتى نستطيع أن نهدء الوضع، لم يقبلوا بذلك بالعكس استعملوا أسلحة أكثر دبابات وطائرات (التتمة غير واضحة).

سؤال:  تعلم أن هناك انشقاقات عديدة بين الفلسطينيين: بين اللاجئين والاخرين، بين العائلات الكبرى والقيادات الجديدة، وبين الداخل والخارج. هل هذا التعارض يجعل الحديث عن المجتمع الفلسطيني أمرا صعباً؟

فيصل الحسيني: لا لن يكون،  الشعب الفلسطيني من أبعد الشعوب عن قضية التقسيمات الأرستقراطية والبرجوازية لأن واقع الشعب الفلسطيني بعد عام 1948 تحول من شعب في معظمه يعيش في ارضه إلى شعب من اللاجئين، وبالتالي انتهى دور ملكيات الاراضي الواسعة ولم يعد أحد يمتلك أراضي واسعة لأن إسرائيل استولت عليها، من ناحية رأسمالية لم يتح الاحتلال للفلسطينيين أن يكون لديهم مؤسسات رأسمالية كبيرة، وبالتالي لا يوجد لدينا شيء اسمه طبقة أرستقراطية، هي قضية تاريخ وبالتالي الموضوع ليس بهذا الشكل. الذي حصل أن عملية التحرك بين الفلسطينيين القادمين من الخارج إلى الداخل عمل على ايجاد نوع من التغيرات الاجتماعية في داخل الفلسطينيين وبالتالي نشأ أناس استفادوا من هذه العملية وآخرين لم يستفيدوا وبالتالي قد تجد الان مجموعة من الفلسطينيين قادمة من الخارج تلتقي مع عناصر جيدة وهي جيدة ويشكلوا جوا مشتركا وكأي مجتمع يوجد لدينا أشخاص سيئين يلتقوا مع أشخاص سيئين من الداخل ويشكلوا أيضاً عناصر فيها. وبالتالي البعض يرى الموضوع داخل وخارج ولكن هي ليست داخل وخارج وان كان هناك عناصر ثورية هي من الداخل والخارج وان كان هناك عناصر فاسدة فهي من الداخل والخارج، خاصة أن كثيرين من العائدين من الخارج  هم اساساً عائلاتهم من الداخل.

سؤال:  الجو السياسي القائم الآن هل الشعب الفلسطيني يؤمن بالسلام ؟

فيصل الحسيني: الشعب الفلسطيني يُريد السلام لكن يزداد عدد الاشخاص الذين بدأوا ييئسوا من عملية السلام الآن، أو بشكل أصح ييئسوا من آلية عملية السلام الحالية، والان يكاد يكون القائمين على هذه العملية غير مقتنعين بآليتها، وهذا ينطبق على الشارع الإسرائيلي كما على الشارع الفلسطيني، الرغبة في السلام قائمة ولكن الآلية غير ناجحة، وهنا أنا أحمل إسرائيل والولايات المتحدة مسؤولية هذه الآلية.

سؤال:  عن الدراسة في فلسطين: ما هي القيم التي تُعلمها المدارس الفلسطينية؟

فيصل الحسيني: يجب أن يُسئل ما هو النظام الدراسي في فلسطين وما هو النظام الدراسي في إسرائيل؟ على كل الأحوال النظام الدراسي في فلسطين، هو بشكل أو بآخر استمرار للنظام الدراسي الذي كان يُعلم أثناء 33 سنة من الاحتلال الإسرائيلي، وبالتالي أُضيف اليه قضايا تتعلق بالحل السياسي الحالي وطبيعة العلاقات الجديدة مع إسرائيل، ولكنه أيضا يعلم الفلسطيني تاريخه، مع الوصول إلى النتائج النهائية بأن توجد دولتين دولة فلسطينية ودولة إسرائيلية ولكن أيضا الطفل يجب أن يتعلم عن التاريخ كما هو، وبالتالي أيضا الطفل يجب أن يعرف قبل خمسين سنة كانت عكا مدينة فلسطينية لا استطيع أن أكذب عليه وأقول أن المنطقة التي فيها اسرائيل الان دائما كانت اسرائيل، ولكن يجب أن يعرف ما هو التاريخ، ويجب أن يعرف بأن لنا موقف من أجل أن نصل إلى سلام، نقبل هذا الوجود الاسرائيلي لاننا نريد السلام، وليس لان ابيه يكذب عليه ويقول له بأنني من عكا،  الطفل يسأل والده من أين أتيت؟ أو يسأل جده هذا السؤال لن يكذب الجد ويقول له أنني كنت دائما أعيش في معسكر لاجئين، سيقول له انني قادم من مدينة الان أصبحت اسرائيلية إذا طفل سمع من أبيه أو من جده هذا الكلام ونحن علمناه في المدرسة شيء آخر سنخلق انسانا مشوهاً، نحن نقول له بأن هذه المدينة التي أتى منها أبيه احتلت من قبل إسرائيل وأنه كان هناك حربا بيننا وبين الاسرائيليين ولكن نحن من أجلك ومن أجل أولادك في المستقبل نريد أن نقيم سلاما حتى مع دولة أخذت بلادنا، لا اعتقد أن هناك وسيلة أخرى، الإسرائيليين يريدون أن نُعلم أولادنا أن اسرائيل ولدت إسرائيلية والفلسطينيين ولدوا فلسطينيين نحن لا نريد أن نُنشئ أولادنا على أكاذيب ولكن نريد أن نُنشئ أولادنا على حقائق الأمور.

 

سؤال:  خلال وسائل الاعلام الغربية لدينا معلومات حول كون الشباب الفلسطيني يعيش في جو مليء بالعنف وفي حديث عن تدريب الشباب على العنف ما هو تعليقك على هذا الموضوع؟

فيصل الحسيني:  انا أريدكم أن تعيشوا قليلا مع طفل فلسطيني، الطفل في أي مكان بما في ذلك الطفل الفلسطيني يرى في والده يرى في أمه شيء عظيم جدا، عندما يكبر قليلا يرى في أُستاذه في المدرسة أو الجامعة ذاك المثل، لكن أول مثل أعلى للطفل هو والده أو والدته، منه يستقي المعلومات منه يحصل على الحماية منه يحصل على إمكانيات الفرح، هو كل شيء بالنسبة لحياته، هو الذي يلجأ اليه لانه هو الأقوى، أذكر وأنا طفل كنت اشاهد فلما لطرزان وسألت شقيقي الأكبر والدي أقوى من طرزان لا يجوز أن يكون هناك أحد أقوى من والدي، طفل يخرج الى الشارع مع والده أو مع والدته يُصادف حاجز اسرائيلي أو جندي إسرائيلي هذا الجندي يمنعه من المرور،  أو أحيانا يُهين الأب أو يضربه أمام إبنه، ماذا يحدث لهذا الطفل أولا: هو سيغضب على والده لأنه لا يستطيع أن يثبت له أنه المثل الأعلى، فيستمر في حب والده ولكنه غاضب عليه، ويكره الجندي الإسرائيلي الذي أهان أو أضعف والده أمامه. ولكن مع فقدانه مثل القوة الذي هو الأب ليتبنى دون أن يدري مثل الجندي الذي هو القوة، يحب أبيه ولا يريد أن يكون مثله يكره الجندي ولكن يُريد أن يكون مثله، المعلم الأول للطفل الفلسطيني للعنف هو الجندي الإسرائيلي. نعم يوجد في داخل الطفل الفلسطيني والشاب الفلسطيني عنف مكبوت، هذا أحيانا نعاني منه حتى في داخل الشرطة، الشاب الفسطيني الذي يصبح شرطياً يبدأ يتحرك ويتصرف كما يتصرف الجندي الإسرائيلي، ولهذا السبب كان هناك تثقيف جديد للشرطة حتى لا يتصرفوا كالجندي الإسرائيلي. الاحتلال هو عملية تدميرية للاخلاق، ليس فقط للشعب تحت الاحتلال ولكن للشعب الذي يمارس الاحتلال. الجندي الاسرائيلي الذي يقوم بضرب طفل فلسطيني أو يضرب إمرأة فلسطينية عندما يعود إلى بيته لن يتوارى عن ضرب زوجته أو شقيقته، وهذا يُعاني منه الإسرائيليون أيضاً، على الإسرائيليون أن ينهوا الاحتلال وليس فقط حفاظاً على الشعب الفلسطيني ولكن حفاظاً على أخلاقيات الشعب الإسرائيلي.

سؤال: هل أن مجرزة هيشلِر اليهودية تُعلمها المدارس الفلسطينية؟

فيصل الحسيني: لكل شعب آلامه الخاصة، وأيضاً حتى تتكتمل انسانيته يجب أن يتفهم آلام الآخرين. نحن كنا نرغب أن يكون هناك نوع من البرامج المشتركة التي تتحدث للتلميذ الفلسطيني عن معاناة اليهود وغير اليهود في أنحاء العالم، وعلى أن يتم تعليم الطالب اليهودي والطالب الاسرائيلي عن المعاناة التي عاناها الطالب الفلسطيني ليس بسبب الآخرين ولكن بسببه هو. أنا أقول نعم على الفلسطيني أن يفهم ماذا وكيف مارس الآخرون اضطهادا ضد اليهود ولكـن الاسرائيلي يجب أن يـدرس أيضا كيف عـانى الفلسطيني من اضطهاد مارسه الإسرائيلي نفسه.

سؤال: الفلسطينيون ذوي الخبرات الموجودين في الخارج هل لديهم الاستعداد للمساعدة في بناء الدولة الفلسطينية؟ وماذا بالنسبة لهجرة العقول الفلسطينية؟

فيصل الحسيني: عندما بدأت أوسلو قام الإسرائيليون بالإنسحاب من 3% من مساحة الضفة والقطاع، في هذه أل 3% كان يتواجد حوالي 50% من الشعب الفلسطيني، والخروج من المدن والتواصل بين المدن يحتاج إلى تصاريح والمرور عبر الحواجز الإسرائيلية، أما باقي المناطق المنطقة بي فهي ليست تحت السيطرة الإسرائيلية، منطقة سي تحت السيطرة الاسرائيلية ولكن منطقة بي هي تحت السيطرة الأمنية الإسرائيلية إن احتاج الأمر لذلك. أما في باقي الوقت فالفلسطينيين ممنوعين من ممارسة عمليات امنية هناك والإسرائيليين خارج هذه المنطقة، منطقة لا يوجد لا أمن فلسطيني ولا أمن إسرائيلي لا يمكن السيطرة عليها، هذه المنطقة ستكون مكان مثالي لكل من هو ضد الفلسطينيين أو الإسرائيليين وبالذات لعناصر المافيا، كان مطلوب منا كفلسطينيين من 3% من الاراضي الفلسطينيية أن نسيطر على كل المناطق، هذا الأمر أدى إلى وجود شكل من أشكال الضعف الشامل لهذه السلطة الفلسطينية مما أجبر السلطة الفلسطينية في بعض الأحيان على استخدام وسائل خارجة عن نطاق ما هو عادي في دولة عادية، وهذا الوضع غير مريح لا لأشخاص مثقفين ولا لاصحاب رؤوس أموال يريدون أن يستثمروا أموالهم، في اللحظة التي نكون في دولتنا مسيطرين على دولتن،ا مسيطرين على حدودنا بامكاننا أن نخلق الأجواء الجيدة والمناسبة لثقافة سليمة ولاقتصاد سليم كما يجب أن تكون ديمقراطية.

سؤال: لقد جاوبتم جزئياً عن السؤال المقبل، ما هي المؤسسات الفلسطينية الحالية التي تستطيع أن تكوّن أسس الدولة الفلسطينية في المستقبـل؟

فيصل الحسيني: أولا في قانوننا هناك فصل ما بين السلطات القضائية والسلطات التشريعية والسلطات التنفيذية.  لدينا المجلس التشريعي الفلسطيني وهو مثبت في البرلمان الفلسطيني وهو شبيه بالمختبر أو بالمدرسة التي تتعلم كيف تكون الديمقراطية، لدينا حرية الصحافة أكثر من أي منطقة في الشرق الأوسط، لا أقول أنها جنة الحرية ولكنها أكثر من أو أفضل من أماكن أخرى، يمكن أحسن من أمريكا اللاتينية، يوجد لدينا تنظيمات حزبية فاعلة جزء منها معارض، جزء منها مؤيد للحكومة، هناك لقاءات مستمرة ما بين قيادات هذه القوى المعارضة والمؤيدة، هي واحدة من الصور الأفضل من العالم الثالث، وكان من الممكن أفضل بكثير وربما كنا انتقلنا إلى أجواء العالم الأول إذا تخلصنا من الاحتلال، لأن في تجربة الشعب الفلسطيني كان لنا تجارب في ثلاث مناطق في الشرق الأوسط، تجربة في لبنان، تجربة في الأردن، تجربة في إسرائيل،  في لبنان نحن شاهدنا الحرية بدون سلطة تحكم، في الأردن شاهدنا السلطة القوية بدون ديمقراطية، وفي إسرائيل شاهدنا ديمقراطية بدون مساواة، نحن نُريد أن نبني دولة فيها حرية فيها ديمقراطية فيها مساواة وفيها سلطة تحمي هذه العناصر كلها.

سؤال:  هل تعتقد أن المؤسسات الـدولية تستطيع أن تلعب دوراً جيداً في حل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي؟

فيصل الحسيني: نعم أعتقد بأننا بحاجة إلى ضمانات دولية من أجل حماية أي اتفاقية بيننا وبين الإسرائيليين، لإننا في فلسطيني لا نرغب أن نبني جيشا يمتلك طائرات بانتم وميراج وسواها، ولا دبابات ولا صواريخ، نحن نرغب بدل من أن نشتري طائرة أن نبني مدرسة وبدل الدبابة أن نُقيم مختبراً، وفي هذه الحالة مع وجود هذا الجيش القوي في إسرائيل ووجود جيوش قوية في الشرق الأوسط نحن نُريد حماية دولية.

سؤال:  ما هو رأيك في الدور الذي تستطيع أن تلعبه أوروبا في المنطقـة؟

فيصل الحسيني:  اعتقد أن أوروبا كجزء من حوض البحر الأبيض المتوسط أو علاقة مع هذا الحوض هي أيضا أمنها واستقرارها مرتبط باستقرار هذه المنطقة، نُريد من أوروبا أن تعمل على دعم وتنفيذ قرارات الشرعية الدولية، لا نُريد انحياز أوروبي للفلسطينيين وللإسرائيليين ولكن نُريد إنحياز أوروبي للشرعية الدولية، وذلك من خلال الدعم والضغط من أجل تنفيذ قرار 242 و388،  ثم بعد ذلك دعم إيجاد منطقة تعاون دولي في الشرق الأوسط كما هو موجود في أوروبا، هذا يستدعي بالفعل عملا أوروبياً متواصلا خاصة فيما يتعلق بإسرائيل.

سؤال: هل تعتقد أن الأمم المتحدة لها دورها الفعال تجاه الولايات المتحدة؟

فيصل الحسيني: حسب النظام الدولي القائم الآن، والسيطرة الأمريكية، يجعل بإمكانيات التحرك المستمر للأمم المتحدة محدود ولكن هذا لا يعني أن نيأس بأن تقوم الأمم المتحدة بدورها، لأنه مهما بلغت قوة الأمم المتحدة لا تستطيع أن تحل مشاكل العالم بموقف فردي واحد، ما يجري الآن في الولايات المتحدة يؤكد أن على العالم أن لا يُسلم أموره للولايات المتحدة ولكن أن يكون شريكاً للولايات المتحدة وليس منفذاً لرغبات الولايات المتحدة.

سؤال: هل هناك تضامن بين فلسطين والدول العربية، وهل باستطاعتك أن تقول لنا من هم مساعدوك الأقرب لك: العربية السعودية، سوريا، العراق أم غيرهم من الدول؟

فيصل الحسيني: الوضع في الدول العربية ونتيجة لأحداث كثيرة من ضمنها حرب الخليج هي ليس في أفضل علاقاتها، وبالتالي هناك هموم عربية داخلية، ستعجب الأجيال القادمة ولكنها موجودة وهذا يعطل الدور العربي تجاه قضايا كثيرة من ضمنها القضية الفلسطينية، ولكن تحرك الشارع العربي فيما يتعلق بموضوع الانتفاضة الأقصى هو مؤشر جديد على ضرورة عودة الدول العربية إلى لعب الدور الذي تريده شعوبها، كل دول تقدم ضمن الطاقات التي لديها قد يكون غير كافي، ولكن نحن كفلسطينيين معنيين بزيادة هذا الدعم وبزيادة هذا الترابط ولسنا بموقع من ينتقد الآخرين.

سؤال: إتفاق باريس لعام 1995 حدّد قواعد التجارة الخارجية للأراضي التي تقع تحت نفوذ السلطة الفلسطينية، هل تعتقد أن هذا الاتفاق يستطيع أن يشكل أسس تعامل ضمن علاقات اقتصادية مستقبلية وثيقة بين الدولة الفلسطينية والدول المجاورة من ضمنها إسرائيل؟

فيصل الحسيني: فيما يتعلق بهذا الموضوع أنا لست خبيراً اقتصادياً وبالتالي أفضل ألا أجيب على هذا السؤال لان العلاقات في هذا العالم لم تعد تتحمل العلاقات بين دول منفردة أو دول صغيرة، وبالتالي أي نوع من النظام الاقتصادي الذي يشجع على وجود تجمعات إقليمية اعتقد أنه جزء من المستقبل، نحن نرى بأن تكون هذه العلاقات بين دولنا في الشرق الأوسط والعالم الأول وبالذات أوروبا، ما نطلبه أنه إلى حين وصولنا إلى هذه الصيغة ألا تُنسى مناطق مثل منطقتنا ما زالت  تحت الاحتلال.

سؤال: بما أنك لست متخصصاً في الاقتصاد لن أُكثر عليك الأسئلة في هذا المجال.

ما هي مكانة ملف الماء في العلاقات المستقبلية بين مختلف دول الشرق الأوسط؟

فيصل الحسيني: نحن نقول بأنه في هذا القرن لا يوجد مكان للدول الصغيرة، أقصد دول صغيرة مثل المملكة المتحدة، المانيا، فرنسا، إيطاليا لهذا السبب هي شكلت المجموعة الأوروبية لتواجه تحديات هذا القرن، نحن نعتقد أنه لن يتمكن الشرق الأوسط من الدخول إلى العالم الجديد إلا ضمن تجمع إقليمي واحد، وعندما ندعو لإقامة دولة فلسطينية ليس لإضافة دولة صغيرة للشرق الأوسط ولكن لأننا نعتقد أنها هي البوابة للشرق الأوسط. نحن نعتقد أن مثل هذا التجمع الإقليمي الاقتصادي في الشرق الأوسط هو القادر ليس فقط على حل المشكلة الفلسطينية الإسرائيلية ولكن هو القادر على النهوض بكل الشرق الأوسط ليتعامل بشكل أفضل ومتساوي وكريم مع التجمعات الكبيرة الأخرى إن كانت في أمريكا أو في أوروبا أو في شرق آسيا.

 

 

سؤال: هل تعتقد أن افتراض دولة مزدوجة فلسطينية – إسرائيلية لها مكانتها اليوم؟

فيصل الحسيني: فلسطينياً لا نجد خطأ في ذلك ولكن هذا الأمر ليس مقبولا إسرائيلياً، ولكني اعتقد أنه مـع عملية السلام ومـع المستقبل ستأتي هـذه اللحظة لتشكل مثل هذه الصورة ولكن طبعاً برضى الشعبين.

سؤال: السؤال الأخير أستاذ حسيني وبما أنه الأخير بإمكانك أن توسّع آراءك كنهاية لحديثنا اليوم. في أعماق نفسك ما هي القيم المشتركة التي يشاطرها الفلسطينيون والإسرائيليون معاً؟

فيصل الحسيني: اعتقد أن هناك كثير من القيم المشتركة بين الفلسطينيين والإسرائيليين، بداية كلا الشعبين هم نتاج تراثي لثلاث ديانات هي اليهودية والمسيحية والإسلام، وهي كلها انطلاقها واحد، تقريبا لم يحدث مرة في مناقشاتنا ذكرت أنا شيئا من القرآن إلا ووجد محاوري المسيحي أو اليهودي إلا ووجد شيئا في الانجيل أو في التوراة، ما هو مسالم وما هو عدواني، الناحية الثانية أن كلانا ننتمي أساسا إلى ثقافية شرقية، ربما كان العصر الذهبي للإسلام ولليهود مشتركاً في فترة علو الحضارة الإسلامية، ما زالت آثارها موجودة في إسبانيا لكن أيضا هناك آثار لهذه الحضارة المشتركة والتي  تأثر بها أيضا المسيحيين، الوجود الجغرافي في نفس المنطقة، اللغة التي هي من مصدر واحد وهي لغة سامية، نحن قريبين جدا حتى في اللغة، تاريخ مشترك حتى بداية هذا القرن، كان هو تاريخ تسامح وتفاهم ما بين الأديان، كل هذه الأشياء أعتقد أنها مؤهلة لنا بأن نبني مستقبلا مشتركاً، لربما أهم التجارب هي تجربة الوجود بدون دولة، أكثر من مرة عندما كنت أتحدث للاسرائيليين عن معاناة الشعب الفلسطيني كونهم لاجئين والمجتمعات التي عاشوا بداخلها، واتحد عن الدوافع التي تُخلق داخل الفلسطيني نتيجة هذا الأمر، كان الجواب لهم أنك تتحدث عنا، حتى هذا التاريخ المشترك المعادي أنتج تجربة فلسطينية لشعب بلا وطن أدى إلى تجربة مشابهة لتجربة اليهود الذين عاشوا في فترة معينة يعتقدون أنهم شعب بلا هوية، لربما أحد الأسباب التي دفعت الفلسطينيين في النهاية للاقتناع للقبول بهذا الوجود الإسرائيلي في البلاد هي هذه التجربة التي نراها مشتركة بشكل أو بآخر.

 

شكراً جزيـــلاً