جاري تحميل الموقع . يرجى الانتظار
رثاء 09 سبتمبر 2019

 د. أحمد يوسف القرعـي

 فيصل الحسيني.. والقدس.. وأمانة المسؤولية

 كان مسؤول ملف القدس، وظل حتى رحيله أمينا على تلك المسؤولية، كان يمثل صمود الأرض والإنسان في المواجهة اليومية مع مخطط التهويد، متصديا لآثار القدم الهمجية، وهي تجرف الأرض الطاهرة لتبني فوقها المزيد من المستعمرات.

 جعل من بيت الشرق رمزا للحق العربي في المدينة المقدسة، وكسب جولات دبلوماسية وإعلامية كان لها صدى دولي كبير.

 التقيت به في السنوات الخمس الأخيرة عدة مرات في القاهرة والدار البيضاء، وبيروت، ولفت نظري صوته الهادئ وكلماته القوية وإرادته الفولاذية ودعوته لتعبئة قوى الأمة العربية والإسلامية للحفاظ على هوية القدس.

 في ابريل 1997 كان معنا بالقاهرة نستمع إليه في محاضرة عامة حاملا إلينا نداء مقدسيا تحت عنوان "اشتر زمنا في القدس" لإنشاء الصندوق الوطني لدعم القدس الشريف للحفاظ على ما يجب الحفاظ عليه من أوجه الحياة العربية والإسلامية والمسيحية في القدس الشريف، سواء كان ذلك سكانا أو مؤسسات أو مقدسات أو ممتلكات. وحكى لنا الحسيني ما يجري داخل القدس بتفاصيل دقيقة وبالأرقام، موضحا أبعاد الخطر الداهم على المدينة المقدسة في اطراد عدد المستوطنين اليهود والمواقع اليهودية في المدينة، في الوقت الذي يتناقص فيه عدد العرب المقدسيين ومصادرة أراضيهم لإحكام سيطرة يهودية على أرض الواقع، وحدد الحسيني المهم المطلوبة لمواجهة قضايا القدس آنذاك كما يلي:

أولا:     في مواجهة إغلاق المدينة أمام الفلسطينيين، فان المهمة الأولى هي العمل على إلغاء طوق الحصار الإسرائيلي المفروض حولها فتفتح المدينة أمام كل من يريد زيارتها لا سيما أهالي الضفة الغربية والقطاع، واتخاذ خطوات عملية لشد أزر القدس بعرب 1984 أيضا والبالغ عددهم نحو مليون نسمة، وذلك بإيجاد الأطر والبرامج لزيارتهم إلى القدس والتعاون مع المقدسيين في إيجاد المؤسسات والمشاريع المشتركة في مجالات الإسكان والصحة والتعليم والتجارة والسياحة وغيرها من المجالات. يواكب هذا وضع قضية القدس كقضية مميزة على جدول أولوياتنا فلسطينيين وعربا، مسلمين ومسيحيين، على المستويين الرسمي والشعبي، ليعلم العالم أجمع أن قضية القدس ومستقبلها هي قضية مصر والدول العربية جميعا، وقضية تركيا وإيران وأندونيسيا والدول الإسلامية أجمع، وهي قضية الفاتيكان ودول أوروبا وأمريكا اللاتينية كافة، وعندئذ نرى العالم موحدا في دعم المطالب الفلسطينية في القدس.

ثانيا: في الحفاظ على القدس سكانا ومؤسسات وأرضا: فإن المطلوب هو سد العجز السنوي للمؤسسات الصحية والتربوية الأساسية (نحو 30 مليون دولار) وهو الحد الأدنى المطلوب حتى لا تغلق هذه المؤسسات أبوابها، وتأمين هذا المبلغ يمكن المؤسسات الصحية من جهة ألا تخضع للنظام الصحي الإسرائيلي، وإذا ما جرى العمل على إقامة صندوق طبي عربي يضم إليه المشتركين من عرب القدس وفلسطينيي 1948، فان مخاطر الخضوع الكلي للنظام الصحي الإسرائيلي تكاد تتلاشى.

1.                  تدعيم الوجود السكاني وذلك بتهيئة التسهيلات والدعم من خلال:

1)       اعتبار الموظفين المقدسيين العاملين في الدوائر الحكومية في البلدان العربية، وممن يحملون هوية القدس، موظفين متقاعدين يتمتعون بجميع الحقوق شريطة عودته لتثبيت إقامتهم في المدينة.

2)                  إيجاد البرامج السياحية والاقتصادية المحددة لفئات معينة من السياح الحجاج والمستثمرين العرب والمسلمين والمسيحيين للتوجه للقدس

3)       اعتبار الأملاك العربية في القدس، الوقفية منها والخاصة، ملكا وطنيا لا يباع لغير مستحقيه وتتولى مؤسسات مالية عربية وإسلامية رصد أي تسرب لأي عقار لتقوم بشرائه وحفظه وترميمه واستخدامه بأفضل الصيغ الممكنة، وإقامة مصرف عقاري عربي يقدم القروض للإسكان الفردي ومشاريع الإسكان العامة على الأراضي الوقفية والخاصة بشروط وتسهيلات ميسرة.

4)                  دعم المدارس القائمة حاليا وتوسيعها لمواجهة الزيادة في عدد الطلاب.

5)       دعم المؤسسات المقدسية القائمة، بوسائل التوأمة مع مثيلاتها في الدول العربية والإسلامية : الأوقاف، المدارس، المستشفيات، الجمعيات الخيرية.

6)       أن ينعكس البرنامج الوطني الفلسطيني على المستوى العربي والإسلامي بما يتناسب وظروف كل دولة عربية وإسلامية، بدءا من إيجاد لجنة وطنية عليا في كل بلد وانتهاء بالحملات الشعبية في المساجد والكنائس والمحلات التجارية وغيرها.

 ولا شك أن نداء "بيت الشرق" (اشتر زمنا في القدس) بإنشاء الصندوق الوطني لدعم القدس الشريف يستمد شرعيته وقدسيته من خصوصية مكانة القدس لدينا كعرب ومسلمين، ومن ثم فان خير تخليد لذكرى فيصل الحسيني أن يظل مشروعه (اشتر زمنا في القدس) حيا وقائما وتكثيف الدعوة إليه.. ولا شك أن كل متبرع لسد العجز السنوي للمؤسسات المقدسية داخل المدينة، فانه يربط نفسه معنويا وروحيا بالقدس، ويسهم في تأمين الاحتياجات الأساسية للمؤسسات المقدسية من مختلف ميادين حياة المدينة سواء كانت الطبية أو التعليمية وغيرها.

 وذلك بهدف رئيسي هو استمرار الدور الذي تقوم به مثل تلك المؤسسات في الحفاظ على عروبة المدينة المقدسية، وفي مواجهة كل أشكال التهويد والاستيطان.

 وأخيرا.. فان المقدسيين العرب الصادمين على أرض القدس يتحملون حاليا مسؤولية قومية تاريخية تتطلب مناصرة ومؤازرة الأمة العربية والإسلامية، وهم أحوج ما يكون لمشروع فيصل الحسيني: (اشتر زمناً في القدس).

"الأهــــــرام" 21 حزيران 2001